پایگاه تخصصی فقه هنر

انوار الفقاهة-ج19-ص9

الأول : في الإمام وكذا من هو أعلى منه درجة كالنبي ( وخلاصة القول في ذلك ان للإمام ( علم ناشئ من الأسباب العادية على حد علم غيره من البشر وله علم غيبي ناشئ من أسباب إلهية وهل هو عالم بكل شيء فعلاً ؟ في بعض الأخبار ما يدل على ذلك وفي بعضها وهو الأكثر والموجود في كتب السير أنه لا يعلم كل شي فعلاً وعلى الأخير فهل يعلم الأحكام كذلك فعلاً فقط أو إن الأحكام كغيرها كذلك أيضاً ؟ في بعض الأخبار ما يدل على الأول وفي بعضها ما يدل على الأخير إلا ان الأقوى في الأحكام الأول وهو المناسب لارتفاع مرتبتهم وعلو شأنهم وأنهم فوق المخلوق ودون مرتبة الخالق وأنكم قولوا فيهم ما شئتم إلا الربوبية وما ورد من انتظار الوحي منهم في الأحكام محمول على تأخير البيان بعد العلم به لمصلحة أو ان الانتظار لخوف البداء الذي تقوله الشيعة ولو قلنا أنهم غير عالمين فعلاً لجميع الأشياء أو لجميع الأحكام فلا بد أن نقول : إنهم إذا شاءوا أن يعلموا علموا في حكم شرعي أو غيره وطريق علمهم بذلك بإلهام أو بجفر أو بجامعة أو بغير ذلك مما يعلمون به وهل لهم أن يشاؤوا علموا جميع الأشياء دفعه أو الأحكام أو ليس لهم ذلك إلا بما شاؤا من الجزئيات كلام يحتاج إلى البحث ولا يستبعد من فحاوى ما دل على مرتبتهم وعلو منزلتهم ذلك وإن كان الظاهر أنهم ما شاءوا ذلك ثم على تقدير توقف علمهم الغيب على المشيئة فما علموه من الغيب بالمشيئة ولم يكن على جهة العلم العادي فهل يجوز لهم العمل به أو يجب عليهم أو لا يجوز لهم بمعنى سقوط أثره بالنسبة إليهم وكذا غيرهم لو علم بالعلم الغيبي من إخبار إمام أو من مكاشفة أو نحو ذلك جرى فيه الكلام وهل ينفذ حكمهم بالعلم العيني على غيرهم أو لا ينفذ أو لا يجوز الحكم به نفذ أم لم ينفذ وجوه وبالجملة لو عرف الإمام بالعلم الغيبي ان شيئاً مغصوباً أو ميتةً أو بخساً فهل له أكله أو يحرم عليه ؟ وهل له أن يحكم عليه بما علم أو ليس له ؟ وهل له أن يحكم بضده على ما هو الظاهر من الحل والطهارة والتذكية ؟ وهل له أن يتزوج الإمرأة المعقود عليها بالعلم الغبي وكذا الام والاخت ؟ وهل له أن يحكم بذلك أو يحكم بعدمه أو يتوقف عن الحكم ؟ وهل ينفذ حكم أم لا ؟ ظاهر سيرة النبي ( والأئمة ( بعده عدم اعتبار العلم الغيبي لمباشرته للمنافقين ومساورته ومناكحته وإجرائه أحكام الإسلام عليهم ومن المعلوم علمهم فعلاً أو بالمشيئة بكفرهم ونفاقهم وفي الخبر عنه ( : لو كنت راجماً من غير بينة لرجمتها ما يدل على عدم اعتبار العلم الغيبي وعدم جواز العمل والحكم به وكذا قوله خمسة يؤخذ فيها بظاهر الإسلام المناكح والشهادات نعم لو اقتضى الإعجاز الحكم به جرى حكمه به ولو حكم بتنفيذه لزم إنفاذه واستبعاد إن الإمام يأكل الميتة والنجس والمغصوب ويتزوج المحرمة وهو عالم بها مردود أن هذا انقلاب تكليف فيعود بالنسبة إليه طاهر حلال واقعاً ثانوياً بتبدل الموضوع أو انه تكليف ثانوي ظاهري بالنسبة إليه كتكليف العالم والجاهل وكذا حكم كل من اطلع عليه بالعمل الغيبي غير الإمام وقد يفرق بين ما كان الجهل عذراً فيه كالطهارة والنجاسة وبين غيره كالميتة والزنا نعم لو علم الإمام ( بالعلم العادي لزمه العمل به وإنفاذ حكم فيه إجماعاً وكتاباً وسنة كما سيجي إن شاء الله . ولو قنا : ان علم الإمام ( بالمشيئة فما لم يشأ يعلم بالظن الشرعي وهل له أن يعمل بحكم غيره من مناصبيه ؟ كما إذا حكم أحد مناصبيه بالهلال أو يجب ان يباشره هو محل تأمل وهل تجري على الإمام الإدراكات الباقية التابعة للجهل من الشك والظن والوهم فيعمل بالمشكوك به والمظنون والموهوم عملنا في عبادته ومعاملاته ما لم يتقدم ذلك سهو ونسيان فيصلي على القبلة المظنونة عادةً ويعمل بالأصل في مقام الشك والوهم ويصلي بالوقت المظنون في محله أم لا يجري عليه الجهل بالموضوع كما لا يجري عليه الجهل بالحكم لنقصان الجهل وعلو مرتبته عنه أمّا لو علم خلاف المظنون عادة وخلاف المشكوك به عادة بالعلم الغيبي فتركه والعمل بما يظن به عادة مما يشكل القول به وكذا غير الإمام ( من الحكام لو علموا ذلك بالغيب وسيما لو تعلق الغيبي الغيبي بعدم صدور القتل ممن قامت عليه البينة بالقتل وعدم صدور شرب الخمر أو الزنا فأمر الإمام ( بقتله ورجمه مع العمل الغيبي بانتفاء ذلك ظلم ولعلك تقول : لا ظلم لعلم الحسين ( بقتله بالظن ، وعلم الحسن ( بسمه وعلم علي ( بقتله وعلم رسول الله ( بإفشاء عائشة الرد مع ذلك أقدموا على القتل وإفشاء السر ولا يكون ذلك إلا بعدم الاعتبار بالعلم الغيبي نعم العلم العائد للإمام ( ينفذ به حكمه ويجب عليه والمثل به واحكم مثال بل يجب عليه الحد به والقصاص ولا يجوز العدول عنه ولا تجوز معارضته وقد قتل علي ( الإعرابي بتكذيبه رسول الله( وصدق قول رسول الله ( من العلم العادي لعلي ( وإنكار الصحابة على أبي بكر في رد قول فاطمة ( وشهادة الحسنين ( من جهة عدم حكمه بالعلم العادي الحاصل من صدق قول المعصومين ( ويظهر من ذلك ان المحاريب التي قد صلى إليها إمام أو الجهة التي دفن فيها لا تدل على الكعبة واقعاً وقطعاً وقد يقال ان الإمام اظهر أحكامنا بالعلم الغيبي فحكم بها كقضية الجلي وغيرها ونفذ حكمه فيها قلنا : نعم قد نفذ فنفذ وكونه نفذ من غير ان ينفذه محل كلام وبالجملة فالإمام لو صدر منه القول الواحد فإن كان بصورة الخبر أو الشهادة وجب تصديقه وأن كان بعنوان الإلزام والحكم أو بعنوان العمل بحد أو قصاص فإن كان حكمه بالعلم العيني ففي نفوذه والعمل به كلام وإن كان بالعلم العادي فلا شك في نفوذه وأما غيره من الحكام فالقول الصادر منهم ان كان خبرا وقصد الجزية أو شهادة وقصدها كذلك كان حكمه حكم المخبرين والشاهدين وكذا لو كانت فتوى لزم قبولها وإن صدر بعنوان الإلزام فهو الحكم المبحوث عنه في انه يحكم بعلمه لا بمعنى انه ينفذ حكمه أم لا ولا ملازمة بين قبول شهادته بعلمه وبين نفوذ حكمه كما لا ملازمة بين قبول حكمه وحده وبين عدم سماع شهادته وحده من انضمام شاهد آخر أو يمين في كثير من المقامات نعم قد يقال : انه يلزم القائل بنفوذ حكمه انه لو حكم بأن هذا قول رسول الله ( حيث انه علم به لزم إنفاذه عند جميع الحكام والعمل به وهو لا يلتزم أحد إلا ان يمنع نفوذ حكمه بالموضوعات مطلقاً أو فيما إذا حكم بعلمه أو يقال ان هذا لا ينفك عن الفتوى فهو فتوى قطعية لا حكم العلم بالعلم ومن محل المسألة ان المجتهد هل يعمل بعلمه من حد وقصاص وأمر بمعروف ونهي عن منكر ويجب عليه ذلك أم لا ؟ وهل يجب على غيره تسليم ذلك له والإذعان له لو علم بعلمه في حكومته بل ولو لم يعلم غيره بعلمه لزمه التسليم بمجرد دعواه فلو نهب مال زيد أو تزوج امرأته وقتله وقال حكمت بكفره بعلمي أو حكمت بأن ماله لغيره كذلك لم ينازعه ولا يحكم بفسقه ويجوز اخذ المال من يده وتزويج الإمرأة لغيره ومحل البحث ما في العلم العادي وهو المأخوذ من الطرق العادية لا المأخوذ من طرق المكاشفات والالهامات لأن ذلك من العلم الغيبي والأقرب عدم نفوذ حكمه به لو صدر منه الحكم بذلك العلم وعلمنا ان مستند حكمه ذلك العلم الغيبي أمّا لو لم يعلم المستند اخذ بصحة الحكم منه ظاهراً ولو ادعى المحكوم عليه انه حكم عليه بالعلم الغيبي فهل القول قول المجتهد من دون يمين أو بيمينه لأصالة صحة الحكم فينفذ لا أصالة الصحة أو لقول قول المحكوم عليه لا أصالة عدم النفوذ فيطلب البينة من الحاكم على الحاكم بعلمه العادي أو استناده إلى بينة أو شياع وجوه ولا يبعد الاكتفاء بقول المجتهد بيمينه لأصالة الصحة وطلب البينة في الحكم أمر صعب غالباً بل لا يبعد عدم سماع الدعوى من المحكوم عليه لإفضاء سماعها فساد المحكومات غالباً أو إدخال المهانة والفضاضة على الحكام أو ليس من المسألة قضاء القاضي بعلم المستند إلى الطرق الشرعية كالبينة والشياع لأنها حجة وإن لم تفده علماً فكيف ولو أفادته وللأصحاب في حكم نفوذ الحكم بالعلم العادي من غير الإمام أقول النفوذ مطلقاً وجواز العمل به مطلقاً وهو المشهور بل ظاهر اطلاقهم شموله للعلم الغيبي ولكنه بعيد والمنع مطلقاً وهو المنقول عن المرتضى عن ابن الجنيد وظاهر النقل عدم نفوذ الحكم وعدم العمل بالعلم في حد أو حق الهي غير الحد أيضاً والمنع في حقوق الله حداً أو غيره نفوذاً وعملاً دون حقوق الناس نقل ذلك عن ابن إدريس وابن حمزة لبناء حقوق الله على التخفيف وعلى درئها بالشبهة ولقوله : لو كنت راجماً من دون بينة لرجمتها والمنع من حقوق الناس دون حقوق الله ونقل عن ابن الجنيد في المختصر الأحمدي والمنع منه إذا لم يحضر الخصم ويجتمع المتداعيان فيعلمهم بعلمه ويذكرهم بالقضية إن ذكروها ويقول لهم : هل تحلفون أم لا ؟ فإذا أبلى العذر قال لهم : أنا عالم بها فيحكم بعلمه وجنح إليه بعصر المتأخرين وظاهره عدم التفاوت بين حق المخلوق والخالق حداً أو غيره فلا ينفذ حكمه على هذا القول مع غيبة الخصم أو غيبة ذي الحد أو ابتداء من حضور الخصوم وإبداء الدعوة وشرحها واستند لأصالة عدم النفوذ وللزوم التهمة في الحكمة ولاختلال النظام بصدور هذه المبادرة من الحكام وأقصى ما للمانعين مطلقاً الأصل ورواية لو كنت راجماً …الخ وان فيه تزكية النفس المنهي عنها بقوله : يقال : لا تزكوا أنفسكم وان فيه التجسس المنهي عنه ولأن فيه تهمة والحكومة لا تسمع معها كالشهادة وقد يستدل له بخلو الأخبار عن الحكم بالعلم وإنها إنما علقت القضاء في جميع الأخبار بالبينات والأيمان ولم يذكر معها الحكم بالعلم وان الرسول والأئمة لم يزالوا يحكموا بالبينة واليمين مع علمهم بالحلال فعلاً أو بالمشيئة ومن المعلوم عدم المطابقة بين علمهم والبينة واليمين في جميع أحكام الدعاوي ولم يزالوا يقفوا عن الحكم والحد على وجود البينة ولم ينقل عنهم أنهم ردوا بينة في حد أو قصاص أو قطع خصومة لعلمهم بخلافها أو حكموا ابتداء على شخص بحق مخلوقي أو خالقي واسندوا ذلك الحكم إلى علمهم وقد يرد جميع ذلك بأن الأصل مقطوع والرواية ضعيفة وفي دلالتها إجمال وانه ليس بالحكم بالعلم تجسس ولا تزكية نفس ونمنع التهمة في الحكم في العلم مطلقاً نعم إذا عادت إلى نفسه أو إلى وليه أو إلى ما أوصى به لأمكن رد قضائه بها لمكان التهمة فإذا لم يعد الحكم إليه بوجه فعدالته تمنعه عن وصول التهمة في حقه وكذا منصبه وأما دعوى خلو الأخبار عن التعرض للحكم بالعلم فللاتكال على ما هو معلوم من قوة الحكم به وتقديمه على البينة وكونه أحق به ومع ذلك فلندرة وقوعه عند القضاة ولو وقع لم يحتج إلى بيان لأنه ما وراء العلم شيء ترك التعرض له بل كلما علق الحكم فيه على الأمر الواقعي من حد أو قصاص كان دالاً على لزوم العمل والحكم به عند العلم والقطع من الفقيه فيه وقد يستدل على الأول بأن العمل بالبينة المفيدة للظن مما يستفاد منه العمل بالنفي بطريق أولى بالاستقراء القطعي في المقامات الفقهية والأحكام الشرعية من لزوم العمل بالعلم والقطعي وهذا منها وبجميع ما دل على حد السارق والزاني وما دل على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنها كلها معلقة على الأمور الواقعية فإذا أصاب الحاكم الواقع بعلمه لزمه امضاء ما أمره الله تعالى به وبالإجماعات المحكية على لسان غير واحد من الأعاظم وبانكار الصحابة على أبي بكر حيث انه لم يحكم بعلمه من فدك مع أخبار فاطمة والحسنين ( المعلوم صدقهما عنده ويحكم علي ( بالناقة أنها لرسول الله لعلمه بصدق النبي حيث اخبر إنها له وقتل الإعرابي لتكذيبه النبي ( بشهادة ذي الشهادتين بما قاله النبي( : لعلمه به والشهادة كالحكم وبحديث علي ( حيث قال لشريح حيث طلب منه شاهدا : ان إمام المسلمين يؤمن على ما هو اعظم من ذلك وبان عدم القضاء بالعلم يؤدي إلى إيقاف الحكم أو الفسق من الحاكم كما إذا أطلق أحد ثلاثاً بحضرته فأنكر فلو لم يحكم بعلمه للزم أمّا تسليمها إليه فهو فسوق واعانة على الإثم والعدوان وأما ترك الحكم وقد قال سبحانه وتعالى : (يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَق)(صّ: من الآية26) وإذا حكمت فاحكم بالعدل ولا ريب ان الحكم بالحق والعدل هما الواقعيان والطريق إلى الواقع العلم ضرورة وبديهة ولم يكلفنا بغيره بل ما دل على النهي غيره دليل على التعبد بل ما دل على نصب المجتهد حاكماً وانه حجتي عليكم وأنا حجة الله دليل على جواز حكمه بعلمه كالإمام وانه بمنزلته وحكمه حكمه وعلمه علمه وإذا جاز العمل عليه بما عمل جاز له الحكم لعدم القائل بالفرق بل العمل حكم وزيادة .