انوار الفقاهة-ج19-ص2
للقضاء معانٍ عديدة لغة ورد استعمالها في الكتاب والسنة على جهة الحقيقة والمجاز والاشتراك اللفظي في الجميع واللفظي في بعض والمعنوي في آخر ويعرف بيانها في كتب اللغة والتفسير وفي الشرع حقيقة شرعية أو متشرعية ولاية شرعية على الحكم بين المتخاصمين والفصل بينهما أو ولاية شرعية على ذلك وعلى الحكم على الرعية فما لم يعلموا ثبوته من الموضوعات العامة كرؤية الهلال أو من الموضوعات الخاصة كالحكم بالعيب والساترية والترابية للمشكوك بستره وترابيته أو ولاية شرعية على ذلك وعلى المصالح العامة من جبر الممتنع وأخذ المقاصة وإجراء الحدود والتعزيرات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتجهيز الجنود وتعظيم أمر السياسة وتربية الأيتام والنظر في الأوقاف العامة وحفظ مال القاصر والغائب وغير ذلك والأظهر المعنى الثاني فلا ينصرف الإطلاق عند قول القائل : هذا قضاء فلان ونصبت فلاناً قاضياً واجعلوه إلا إلى ذلك وأما غيره فلا يدخل فيه إلا بنص من الغاصب كأن يقول : وجعلتك قيما على الأطفال وناظراً على الأوقاف ومتولياً على الحدود وقد يقال إن هذه الأمور وإن لم ينصرف إليها إطلاق لفظ القضاء ولكنها تتبع هذا المنصب عرفاً شرعياً فكل من نصب للقضاء لزمه تولي الأمور العامة من الناصب له إلا أن ينص على خلافه فيكون دلالته على غير ولاية الحكم من باب دلالة ما يدخل في اللفظ تبعاً أو يقال أنه من باب القدر المشترك بين الجميع والبعض لكن بشرط دخول الحكم في ذلك البعض فلا بد من بيان غير الحكم في النصب والولاية وعلى كل حال فلو تخلى المنصب عن منصب الحكم لم يُسمَّ المنصوب قاضياً وكذا الكلام في لفظ الحاكم في قوله ( : جعلته حاكماً فإن الظاهر انصرافه للحكم بين المتخاصمين أو للحكم في الأمور المشتبهة عامة أو خاصة مع احتمال إرادة الفصل منه بكل شيء بمعنى جعلته فصل الأمور بيده وجعلته والياً لجميعها ومرجعاً فيها وقد فهم الفقهاء رحمهم الله من ذلك كذلك وقد يطلق القضاء على نفس الحكم من ذي الولاية ونفس الإلزام منه يجزئ الحكم بجزئي الشرعي على أشخاص معينين أو على عامة الخلق في مقام الدعوة أو في مقام الشك في موضوع إثباتاً أو نفياً وبهذا الإطلاق يقابل الفتوى لتعلق الفتوى ببيان الحكم الشرعي وإظهاره والاخبارية ظناً عن الله سبحانه وتعلق القضاء بالإلزام بنفس جزئي الفتوى بالمورد الخاص على شخص معين أو على عام واسم القضاء والفتوى ويشمل الصحيح والفاسد فالمصادرة ممن له أهل الولاية سمي قضاء وفتوى صحيحة وإلا ففاسدان وكذا القضاء بمعنى الولاية فالولاية الصحيحة الجامعة للشرائط قضاء صحيح وإلا ففاسد اصل كل عالم بحكم شرعي أو ظان به ظناً فله أن يفتي به ويحكم ويلزم ولكن لا تكون الفتوى صحيحة يترتب عليها وجوب العمل لنفسه إلا مع العلم القطعي أو الظن المعتبر وهو ظن المجتهد المطلق أو المتجزي في وجه ولا يترتب عليها وجوب العمل من غيره وتقليده إلا أن يستجمع الصفات الأخر من العدالة والظبط والإيمان واستفراغ الوسع ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويحكم بالبينة وبالإقرار وبالشياع ونحو ذلك وبالجملة له الحكم بما أنزل الله تعالى مطلقاً بين المتداعين وغيرهم وفي كل أمر كان حكماً بالقسط والعدل إلا إن الحكم لا يكون حكماً نافذاً بحيث لا ينقض بالاجتهاد الظني من الحاكم نفسه أو من غيره بل ولا بالقطعي النظري من غيره وإن لم يجز لغيره تنفيذه فلا يجوز رده ولا تنفيذه وحينئذ فلا يكون الحكم حكماً نافذاً أو أمراً ملزماً لمن وقع عليه في مقام الخصومة وغيرها في مقام عموم أو خصوص مع البينة أو مع الإقرار أو مع النكول أو مع اليمين المردودة أو مع العلم به أو ظن يقوم مقامه من شياع أو يد أو تصرف إلا ممن دل الدليل على نفوذ حكمه والإلزام به وعدم إعادة الدعوى بعده والمقطوع به من الأدلة نقلاً كتاباً وسنة وإجماعاً وعقلاً هو حكم الإمام ( أو من نص على نصبه عموماً أو خصوصاً لان تنفيذ الحكم في نفسه من الولايات والرئاسات العامة فمنصبها يرجع إلى أهل المنصب الحق فمن نصبوه في زمانهم خصوصاً يقل فائدة البحث فيه من اشتراط الاجتهاد فيه وعدمه بعد القطع بأنه يحكم بحكم الإمام ( قطعاً أو ظناً شرعياً يجوز له العمل به ومن اشتراط عدالته وضبطه لو راعى الإمام حكمه إنما الكلام في غير المنصوب الخاص وبعد القطع ان الأصل في الحكم عدم نفوذه وعدم ترتب أحكام النصب عليه فلا بد من إثبات أحد أمرين أمّا إثبات الأذن في الحكم لكل من يحكم بالحق علماً أو ظناً عن اجتهاد أو عن تقليد أو عن رواية قطعية أو إجماع مقطوع به أو كتاب نص بحيث يكون حكمه نافذاً أو إثبات حاكم موصوف بصفات معلومة ينفذ حكمه ويرجع إليه في حالة الحضور والغيبة أمّا الثاني هو إثبات حاكم منصوب منصف بصفات خاصة فهو مقطوع به في حالة الحضور وعدم التمكن وفي حالة الغيبة بل في حالة الحضور والتمكن في زمن الصادقين ( وهو نصب المجتهد المطلق الجامع للشرائط فانه منصوب عموماً من أئمتنا ( بدليل الإجماع والروايات المتكثرة عن صاحب الأمر عجل الله فرجه الذي هو إمام العصر كقوله فيها : وأما الحوادث الواقعة فار جعوا فيها إلى رواة أحاديثنا فانهم حجتي عليكم وأنا حجة ورواية وعن غيره ممن تقدم كراوية أبي خديجة عن أبي عبد الله وقوله : انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم قاضياً فاني جعلته قاضياً فتحاكموا إليه ورواية بن حنظلة عن أبي عبد الله ( عن رجلين من أصحابنا يكون بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة أيحل ذلك ؟ قال : من تحاكم إلى الطاغوت فحكم له فإنما يأخذ سحتا وإن كان حقه ثابتاً لأنه اخذ بحكم الطاغوت وقد أمر أن يكفر به . قلت : كيف يصنعان ؟ قال : انظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فارضوا به حاكماً فقد جعلته عليكم حاكماً فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنما بحكم الله استخف وعلينا رد والراد علينا كالراد على الله وهو على حد الشرك بالله تعالى. قال : فإن كان كل واحد اختار رجلاً من أصحابنا فرضيا أن يكون الناظران في حقهما واختلفا فيما حكما وكلاهما اختلاف في حديثكم ؟ فقال : الحكم ما حكم أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر . قال : فقلت : فإنهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على صاحبه ؟ قال : فقال : ينظر إلى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه عند أصحابك فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ والذي ليس بمشهور عند أصحابك فإن المجمع عليه لا ريب فيه قال : قلت : فإن كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقاة عنكم ؟ قال : ينظر إلى ما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة اخذ به. قال : قلت : جعلت فداك فإن وجدنا أحد الخبرين موافقاً للعامة والآخر مخالفاً لها بأي الخبرين يؤخذ ؟ قال : بما يخالف العامة فإن فيه الرشاد قال : قلت : جعلت فداك فإن وافقهما الخبران ؟ قال : ينظر ما حكامهم إليه أميل وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر قلت فإن وافق حكامهم وقضاتهم الخبران جميعاً ؟ قال : إذا كان كذلك فأرجه حتى تلقى إمامك فإن الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات . ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله ( يا أبا محمد لو كان لك على رجل حق فدعوته إلى حكام أهل العدل فأبى عليك إلا أن يرافعك إلى حكام أهل الجور ليقضوا له لكان ممن حاكم إلى الطاغوت .ورواية أخرى عنه ( أي رجل كان بينه وبين أخ له مماراة في حق فدعاه إلى رجل من إخوانه ليحكم بينه وبينه فأبى أن يرافعه إلى هؤلاء كان بمنزلة الذين قال الله تعالى : ( الم تر إلى الذين تحاكموا) إلى غير ذلك من الروايات الدالة على نصبهم العام للعارف بحلالهم وحرامهم وشيئاً من أحاكمهم ومن المقطوع به أن مثل هذا المنصب لا ينعزل صاحبه بعد موت الإمام ( الناصب له لأنه بمنزلة بيان الحكم فيه وبيان أن الله عز وجل جعله منصوباً بسبب الاضطرار إليه حيث كان الأئمة ( حيث كان الأئمة( في زاوية الخمول وأيديهم غير منبسطه فأذنوا للمجتهدين بذلك عن إذن الله تعالى والأظهر أن يقال أن ظاهر الرواية النصب منهم ( لا بيان حكم ولكنه ظاهر في النصب الدائم كما فهم الفقهاء وللإمام ( أن ينصب منصوباً على الدوام بحيث تمضي أحكامه من بعده في كل زمن مع كل إمام ( لعلم الإمام الأول بالمصالح والسياسات والأئمة حجج الله تعالى في أرضه أمواتاً وأحياءاً لا يقال إن الإمام ( الآخر لا يجتمع معه المنصوب من الأول لصيرورته حاكماً من الإمام الأول فلا يكون محكوماً عليه والإمام الثاني حاكم مطلقاً قلنا : لا باس بصيرورة المنصوب حاكماً من الأول ومحكوماً عليه وتابعاً للثاني ويكون الإمام الثاني مقرراً لنصب الأول ومنفذاً له على إن أولهم وآخرهم سواء فمنصوب الأول والثاني منصوب واحد ويؤيد ذلك أن الأئمة من بعد ( أقروا على ذلك وجرت السيرة به والطريقة في زمانهم إلى زمن الصاحب جعلت فداه على أن في الإجماع وضرورة النظام القاضية بذلك المنصب كفاية ويلحق للمجتهد المطلق المجتهد المتجزي فإن حكمه نافذ فيما اجتهد فيه لشمول الأدلة له وعموماً وخصوصاً كمرفوعة ابن أبي خديجة كما ان فتواه لنفسه ولغيره جائزة لعموم الأدلة نعم ليس تلك الرئاسة العامة في الحدود والسياسات والاستيلاء على مال الإمام ورجوع بيت المال إليه ونحو ذلك وأما الأول وهو نفوذ حكم كل عالم بكلّي ذلك قطعاً أو ظناً شرعياً ولو بتقليد مجتهد حي جامع للشرائط فهو في حد ذاته بمعنى كونه حكماً شرعياً من الله سبحانه وتعالى لا يقول به أحد بل الإجماع محصلاً فضلاً عن أن يكون منقولاً عليه وإن ظهر من العمومات جواز الحكم لكل أحد بالقسط والعدل والحق ولزوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكل من عرف الحق بل يلزم على سامع البينة والإقرار الحكم على من قامت عليه البينة فيأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر ويحكم بموجب إقراره ولكن الشأن في نفوذ هذا الحكم من غير المجتهد المنصوب وترتب آثاره عليه وأبى لنا بنفوذه والاجماع محصلاً فضلاً عن أن يكون منقولاً على عدمه وبه بخصوص عمومات لزوم الحكم بالحق على كل أحد والأمر بالحكم بالعدل والقسط والأدلة الخالية من ذكر المجتهد العامة له ولغيره وحكم هذه العمومات كحكم عمومات البينة واليمين والإقرار والحكم بالنكول والحكم بالشاهد واليمين حيث مخصصة ومقصورة على قيامه وحصولها من المجتهد المطلق كي تكون نافذة ماضية ولا يجوز تكريرها أو إعادتها ولا تجديد الحكم بها نعم قد يقال : ان حكم العارف بالحلال والحرام على وجه القطع أو على وجه التقليد من الفرقة الاثنى عشرية منصوب عن الإمام ( نصباً آخر أمّا مطلقاً كما هو ظاهر من أخبار نصب الحاكم أو مع الاضطرار عند فقد المجتهد المطلق ويناقش في ثبوت الإجماع على عدم نصب الإمام ( لغير المجتهد المطلق وإن ثبت الإجماع على عدم جواز الحكم للعامي ابتداء بالعمومات الدالة على جواز الحكم بالعدل والحق والقسط فلا يثبت الإجماع على عدم نصب الأئمة للعامي العارف كيف وفي زمن الأئمة ( كثير من نوابهم في الفتوى والقضاء لم يكونوا مجتهدين نعم يعرفوا الحكم بعينه عن الإمام( فيفتي به ويحكم بل للمجتهد نفسه حيث انه منصوب عام أن ينصب قاضياً يقضي بفتواه المعلومة عند مقلده ويحكم بالبينة المعلومة القبول عند مجتهده ويحلف يميناً عنده ويحكم بالحق ويجوز للمجتهد أن يستنب عنه من يقول : حكمت فيشاء الحكومة عنه بعد سماع المجتهد البينة أو بعد حلف المدعي وحينئذ فلا فرق بين أن يقول المقلد : حكمت بنفسي بفتوى مجتهدي أو حكمت عنه عند استنابته له ولا فرق في قيام البينة عند المجتهد أو المقلد بعد علنه بمواقع البينة تقليداً وكذا اليمين يمين المنكر أو المردودة بل لو حكم العامي ولم يعرف وجه حكمه حملناه على الصحة وكان نافذاً . هذا كله قد يظهر من ظواهر الأخبار ويستشعر من مطاوي أحاديث الأئمة ( وفعلهم ولكنه خلاف إجماع أصحابنا وطريقتهم خلفاً عن سلف ولا يختلفون في أن المراد من الأخبار هو المجتهد المطلق وهو العارف بالحلال والحرام بل هو العارف بشيء من القضايا لأن العامي لا دراية له ولا ينسب إليه المعرفة المطلقة بل نصوا في قاضي التحكيم أنه لا بد فيه من وصف الاجتهاد ولم يكتفوا برضا الخصمين على مجرد العارف بحكم تلك الواقعة تقليداً أو علماً نظرياً ولا ينفذ حكم العامي عندهم بوجه من الوجوه يظهر مما قررنا أن نفوذ الحكم وفصل النزاع وقطع الخصومة بحيث لا تقبل العود ولا تقبل الرد ولا تقبل الرجوع إلى آخر في تلك الدعوة ويكون رد ذلك الحكم كالرد على منصب في مناصب النبي ( والأئمة لقوله ( : أجلست مجلساً لا يجلسه إلا نبي أو وصي نبي أو شقي . وقوله ( : اتقوا الحكومة فإن الحكومة إنما هي للإمام ( العالم بالقضاء العادل في المسلمين كنبي أو وصي ، ولقوله تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ )(النساء: من الآية65) ولما دل على أن فصل الخطاب عندهم وللإجماع خرج منه تنصيبهم للمجتهد مطلقاً أو متجزياً لظهور لفظ عرف ونظر فيه ولوقوعه من الأئمة ( في زمانهم وبقي الحكم من العامي وأن كان بالحق مندرجاً تحت وجوب الحكم لا تحت لزوم تنفيذه ودعوى خروج المتجزي من إطلاق الأدلة ضعيفة لشمول رواية أبي خديجة له بل ورواية ابن حنظلة لأن المقصود من الجمع المضاف فيها مطلقاً لماهية بقرينة قوله ( : روى حديثنا ولأن اكثر نواب الأئمة ( لم يثبت لهم الاجتهاد المطلق بل ولو لا الإجماع لكان ظاهر الرواية جواز الحكم لكل من روى حديثنا وعرف حكماً في تلك الواقعة المتنازع فيها سواء عن اجتهاد أو تقليد أو سماع بعلم أو ظن شرع ويكون حكماً وحكمه نافذ وبالجملة فرواية بن حنظلة وإن أشعرت بنصب المجتهد المطلق فليس فيها منافاة لنصب المتجزي إلا على الأخذ بالمفهوم الضعيف فلا إشكال في نفوذ حكم المتجزي بل قد يقال أنه مع تراضي الخصمين بغير المتجزي في الحكم المقطوع به عنده الذي لا يحتاج إلى اجتهاد في طريقه ولا في إثباته ولا يتوقف على النظر في عدالة وجرح ونحوهما فيه فإذا حكم عليهما مضى حكمه .
ثانيها : يجوز الرجوع في الحكم والفتوى والحقوق والولايات إلى المفضول مع وجود الفاضل لدخول كل منهما تحت عموم أدلة النصب والولاية في الأخبار سيما المرفوعة والمقبولة وفيهما إلى رجل منكم لا إلى أفقهكم نعم ذكر الأفقه بعد ذلك عند الاختلاف وللسيرة القطعية من لدن زمن الأئمة ( ولتقريرهم أصحابهم على ذلك وللزوم العسر والحرج لولاه لعسر معرفة الفاضل من المفضول على العوام نعم لو علم اختلاف الفاضل والمفضول في حكم وعلم المقلد ذلك الاختلاف فلا يبعد القول بحرمة الرجوع إليه في الفتوى والحكم لما يظهر من المقبولة في مقام اختلاف الراوين بل قد يخص ذلك فيما لو رجع المترافعان إليهما معاً واختلفا فهناك لا بد من الترجيح وأما مع الرجوع لواحد وهو المفضول فإنه يلتزم بقوله وإن علم ان الفاضل قد خالفه وعلى كل حال فلو قلد فاضلاً أو اخذ حكمه منه فعاد مفضولاً لفاضل آخر لا يجوز له العدول عنه إليه ولو قلد المفضول مع عدم علمه بالخلاف أو حكم له فتبين له الخلاف لم يجز العدول ولم ينقض الحكم وكذا لو لم يعلم بالفاضل والمفضول فقلد المفضول أو اخذ منه الحكم لزمه ذلك أيضاً وبالجملة فلو قلنا بلزوم تقديم الفاضل مع الاختلاف فهو شرط علمي لا وجودي وشرط في الابتداء لا في الاستدامة كل ذلك لعموم الأدلة ولم يثبت إجماع على لزوم تقديم الفاضل مطلقاً والركون إلى القبح العقلي في تقديم المفضول ضعيف إذ لعل المفضول أصاب ما لم يصب الفاضل ولأن الظن بكلي جواز الرجوع إلى المفضول أقوى من الظن الحاصل بفتوى الفاضل على أن القبح ذلك مخصوص بمنصب الإمامة المبنية على الرئاسة العامة وعلى العلم بالأحكام وعلى سياسات النظام وعلى التأسي بهم أفعالاً وأقوالاً في الأحكام فالفرق جلي والأمر غير خفي.