انوار الفقاهة-ج18-ص10
ثامنها:قد يتعدد السبب بحيث يكونان سواء في التأثير والاستناد عرفاً والظاهر هنا الاشتراك في الضمان مع الوقوع دفعة وإن وقعا تدريجاً احتمل الاشتراك كمن حفر بئراً أو وضع الآخر حجراً أملساً على دائرها واحتمل تضمين ما دل السببين واحتمل التضمين المؤثر أولاً منهما كصاحب الحجر من حيث ما تقدم جنايته واحتمل الاشتراك أن نسب الفعل إلى المجموع من حيث هو وإن نسب لكل منهما مستقلاً أن له الخيار في تضمين من شاء وإن رجع أحدهما على الآخر بعد ذلك واحتمل تضمين أقوى السببين ولو اجتمع المباشر والسبب كان الضمان على المباشر ما لم يكن ضعيفاً كالمغرور والمكره كما سيجيء إن شاء الله تعالى المستفاد الفعل إليه وللشك في شمول ضمان السبب لمثل ذلك واستشكله بعضهم وجعل الضمان على الجميع كتعاقب الأيدي على المغصوب قال إلا أن يكون إجماعاً وفيه أنه لا دليل على ضمان السبب بعمومه بحيث يشمل هذا الفرد فيبقى هذا الفرد مشكوكاً فيه والأصل عدم الضمان نعم لو كان المباشر حيواناً أو جماداً من شمس أو ريح أو غير ذلك ضمن السبب كمن دفعه حيوان في بئر حفرها حافر في طريق المسلمين بأن المتجه انفرد الضمان بالسبب لضعف المباشر لعدم قصده واختياره وكذا المغرور فإنه بالنسبة إلى الغار ضعيف المباشرة فلو قدم المغرور على ما لا يتعقبه ضمان عليه من هبة أو عارية أو وديعة أو إباحة أكل أو إتلاف كان ضمانه على الغار لقاعدة نفي الضرر ولكلام الأصحاب حتى أنهم جعلوا إيصال مال المغرور إليه لو كان بيد الغار مالاً له من أمانة أو غصب بنحو الإباحة والهبة ليس إيصالاً مبرئاً للذمة لعدم تسليمه تاماً لأقدام المغرور على أنه لأهله وأنه مباح له فلو علم أنه ماله فلربما كان له استعماله بغير ذلك الوجه وقد يقال أن تسليم الغار إذا لم يكن فيه ضرر على المغرور بوجه وكان غير ماله وقد أعده لتلك الجهة التي أوصله على نحوها كما إذا أن ذهباً فأوصله نفس الذهب أو دسه في ماله أو كان طعاماً مطبوخاً وقد طبخه المغرور ليأكله تقدمه الغار إليه فأكله كان مبرءاً للذمة وكذا لو دفعه على انه لم يتعرف به كيف شاء كهبة أو وفاء دين أو نذر أو زكاة أو خمس فانه يبرأ من ضمانه لتمام تسليمه إليه وكذا لو دفعه إليه مضموناً عليه كالمقبوض بالسوم أو عارية ذهب على إشكال نعم لو دفعه إليه على غير صفة كما إذا طبخ الحنطة فأطعمها أو صاغ الذهب فوهبه له أو كان الطعام مطبوخاً لجهة غير أكله فأعطاه ليأكله فأكله فالأقرب عدم براءة منه وكذا لو جعله لقطة له ولو نوى له التملك كان مبرئاً في وجه ولو دسه في ماله كان إيصاله له إذا كان تسليمه تسليماً تاماً وكذا المكره فإنه إن كان ملجا فلا كلام في ضمان من الحية وإن أن نفيه على نفس أو مال يضر بالحال أو مطلقاً فإنه يجوز إتلاف المال المكره على إتلافه له للمكره والضمان على من أكرهه ما لم يكن الإكراه على نفس فإنه لا تقية في الدماء وفي الجرح وجهان ودليله نفي الضرار وإجماع الأصحاب وغير ذلك مما يجيء إن شاء الله تعالى وفي كلا المقامين للنهي جواز رجوع صاحب المال على المغرور وإن كان له الرجوع على الغار فيريدون أن الضمان على الغار يعني استقراره عليه وكذا جواز رجوعه على المكره وهو يرجع إلى من أكرهه لكن ظاهرهم في المكره الرجوع إلى من أكرهه ابتداءً ولا يرجع إلى المكره بوجد وقد يحمل على بيان عدم قدرة المكره على الرجوع من أكرهه فإذا لم يتمكن غالباً كان تغريمه المال بمنزلة استقرار ضمانه عليه فيعود الضرر المنفي عليه خاصة وقد يقال أن الحكم تعبدي فضربه كلام الأصحاب والجاهل بالنسبة إلى العالم مغرور وكذا الصبي والمجنون والذاهل لو قبض الجاهل المغصوب بعقد مضمون كبيع كان ضمان البيع كلاً لو ما قابل الثمن عليه وكان جميع ما غرمه مما أقدم عليه مجاناً من منافع ونفقة وزيادة على الثمن في وجه ويرجع به إلى الغار وكذا لو استأجر مغصوباً جهلاً كان عليه غرامة المنافع من دون رجوع وغرامة الغير من الرجوع أما لو تعدى بالعين المستأجرة أو فرط بالعارية أو تصرف بالمباح له على غير وجه الإباحة ففي رجوعه حينئذٍ من جهة الغرور أو عدمه لإقدامه على الضمان والتزامه به لو كان الغاصب مالكاً وجهان وبالجملة فأوله ضمان السبب من إجماع وروايات خاصة في مورد خاصة يسرى الحكم إلى غيرها بتنقيح المناط والإجماع المركب مشكوك في شمول عمومها كمن حفر بئراً أو من نصب ميزاباً أو من وضع مضراً في طريق المسلمين لما إذا كان المباشر مختاراً قاصداً فأتلف باختياره فأوقع في البئر من أوقعه بقصده بل الظاهر قصره على ما إذا كان التلف والتردي مستنداً إلى المتردي لجملة أو حيوان أو مجنون أو جماد أو نحو ذلك من ينسب التأثير عرفاً إلى السبب ولا ينسب تأثيره إلى فاعله وإن صدق الحيوان أتلفه وأثاره وقتله لأن هذا الاسناد لا يقضي بالضمان لقوة تأثير السبب فيريدون بضعف المباشر ضعفه في التأثير وإن صدق ونسب التلف إليه بحسب اللفظ مع احتمال أن استناد الوقوع والتردي للحيوان والجماد لا يلزم منه اسناد التلف والقتل إليه فيقال أرادهُ وأوقعه الحيوان أو الهواء في البئر ولا يقال قتله والمدار على الأخير وذا الحال في المغرور يرجع على من غره وما دل من عدم ضمان المتقي والخائف لأن الغار هو المتعدي عرفاً وهو الكاره وهو المؤثر عرفاً وإن اسند الفعل إلى المغرور والكاره حقيقة وقد يقال أن ذي السبب لو تواطأ مع المتلف فقال له انصب لك سكيناً في الطريق فأدفع فلاناً فيها أو حفر له بئراً بذلك القصد فلا يبعد كون الضمان عليهما معاً لصدق تأثيرهما عرفاً وكذا لو اجتمع السببان فقال للحافر وأنا أقول للأعمى امش عليها فلا شيء عليك فلا يبعد كون الضمان عليهما مع احتمال اختصاصه بالقائد واحتمال اختصاصه بالحافر وعلى كل حال فالمتلف وإن كان ضعيفاً جداً بحيث يستهلك تأثيره بالنسبة إلى السبب وتوهن نسبة الفعل لم يكن عليه ضمان وإن كان لا بتلك الحيثية تعلق به الضمان كالمغرور إلا أن استقراره على الغار جمعاً بين ما دل على ضمان المتلف وما دل على أن الغار معقد وهو الحامل للوزر والضمان نعم كأن ينبغي أن يكون الكره كذلك وهو ظاهر الاصحاب عدم تعلق الضمان على المباشر خاصة للأصل ما لم يضعف المباشر عن التأثير ضعفاً لا يقاوم وقوة تأثير السبب أو يقوم دليل على خلاف فيدخل في ذلك صورة التساوي وصورة كون المباشر أقوى وصورة كون السبب أقوى وصورة كون لكن لا بحيث أن يصل المباشر في الضعف إلى ما ذكرنا مع احتمال الاشتراك في هذه الصورة أما لو ضعف السبب فلا كلام بعد ضمان ذي السبب كمن دلّ السارق أو كذب في أمر على آخر فرتب عليه ما رتب وعرم ما غرم أو وشى بشخص إلى ظالم فسلطه عليه إلى غير وقد يقال أن الغار مع استيلاء يده يجوز عود المالك عليه ومع عدم استيلاء كما إذا غر شخصاً فأباح له طعاماً في الطريق مدعياً ملكيته أو الولاية عليه أو الوكالة فصدقه بناءً على جواز تصديقه فإنه لا ضمان على الغار من المالك أصلاً وإن كان للمغرور بعد الغرامة الرجوع إليه ويمكن المناقشة في رجوع المغرور على الغار فيما إذا كان المغرور قد استوفى ما وصل إليه بهبة أكلاً وإتلافاً فإنه يمكن أن ما وصل نفعه إليه لا يرجع به إلى الغار نعم ماله يصل نفقة إليه كما إذا تلف تحت يده من دون أن يعود نفعه إليه فإنه يعود به إلى الغار وهو وجه وجيه ولا يتفاوت في ذلك العين والمنفعة في باب الإجارة لو ظهرت العين مستحقة وقد استوفى النفقة وأعلم أن المكره لو أكره على أخذ مال الغير وأكله بحيث وصل نفعه إليه من عين أو منفعة فإنه يجيء احتمال جواز رجوع المالك إليه لوصول نفعه إليه وإن جاز لها الرجوع بعد ذلك للكاره بل قد يحتمل جواز الرجوع إليه فيما إذا تلف تحت يده نعم لو أوصله للكاره كان احتمال رجوع المالك إليه ضعيفاً أولاً يضمن الكاره ولا المكره ما أخذ باسم الخراج من الحكام وعمالهم في حياتهم ولا بعد موتهم وكذا ما لم يؤخذ باسم الزكاة والخمس وأما ما يؤخذ باسم الظلم العام من الدراهم على الدفن ومن العثور فلا يبعد عدم ضمانها كذلك وفي ضمانها إذا كانوا أحياء وجه وأما بعد موتهم فالسيرة قاضية على عدم أخذها من أموالهم بعد تلف العين وقد يفرق بين المعين والمجهول فيؤخذ ما علم أهله ويرجع إليهم ولا يؤخذ المجهول من باب رد المظالم وأما ما يؤخذ جرماً وظلماً فضمانه على الكاره من الحكام وغيرهم ويؤخذ منهم أحياءً وأمواتاً معيناً أو مجهولاً صاحبه وقد يقال بعد ضمانه من التركة بعد موتهم إذا عاد مجهولاً صاحبه للسيرة القاضية بعدم أخذ تركة الحكام صدقة بل قسمتها قسمة المواريث واحتمال إلحاق المعلوم احتمال ضعيف وهذا الأخير يخص أهل النصب من الحكام دون غيرهم ولا يشك في ضمان غيرهم حياً وميتاً مجهولاً أو معلوماً وكذا لا يشك في لزوم رد العين لأهلها مجهولين أو معلومين إلا فيما يؤخذ باسم الخراج والمقاسمة.
تاسعها:لو تصرف المالك بشيء من نار أو ماء في ملكه ونحوهما فسرى إلى ملك غيره فأتلفه فإن تجاوز قدر حاجته أو فعل من دون حاجة أو تجاوز قدر الحاجة العرفية وإن لم يكن له حاجة والأخير هو الأظهر وعلم أو ظن ظناً معتاداً التجاوز إلى غيره فتجاوز فأحرق أو أغرق ضمن وظاهرهم الاتفاق عليه لعموم (من أتلف) و (لا ضرر ولا ضرار) ولأنه متعدي وإن لم يتجاوز قدر الحاجة ولم يعلم أو يظن التجاوز فلا ضمان للشك في شمول دليل الضمان لضعف دليله ما لم يكن مجبور الشهرة أو إجماع منقول وللإذن الشرعي فلا يستعقب ضماناً غالباً والمراد بالظن المنشائية فلو كان بليداً لا يعرف اتبع مستوى الإدراك وكذا القطاع والضمان وإن تجاوز ولم يعلم أو يظن أو علم أو ظن ولم يتجاوزها ففي الضمان قولان أو وجهان من عموم دليل الضمان والأصل والشك في شمول الإطلاق لمثل ذل الفرد والعموم ضعيف نعم يقوى مع العلم أو الظن الضمان لأنه لا ضرر ولا ضرار وتعدى عرفاً ما لم تمس الحاجة إلى إيقاد النار فلو مست الحاجة جاز وإن كانت مباشرة قريبة كما إذا تدلت أغصان شجرة الدار على موقد جاره وإن كانت موضوعة بحق ولم يمكنه عطفها وكذا إذا مست حائطه منه ومن أجج ناراً في أرض مباحة في غير طريق المسلمين أو أسال ماء ولم يضمن ما تورى فيه إلا أن يكون مما يصل إليه المسلمون لبعض الأمور ولو سرت من ذلك المباح إلى ملك غيره فمع تجاوز الحاجة والعلم أو الظن عادة بالتجاوز ضمن وإن خلى عن الأمرين لم يضمن وإن حصل أحدهما ففي الضمان كما تقدم من عموم من أتلف وشبهه ومن أصالة البراءة من الضمان والشك في اندراج هذا الفرد تحت تلك القواعد والعمومات وكذا الحكم في بالوعة لو حفرها الجار تنتن على جاره أما لو وضع ميزاباً أو فعل فعلاً يبنتقل منه إلى جاره عادة فهو كالمباشر يمنع منه.