انوار الفقاهة-ج17-ص13
رابع عشرهـا: عصير العنب نجس إذا غلا واشتد أي ثخن بعد غليانه وصار له قوام لفتوى مشهور الأصحاب وللإجماع المنقول في الباب ولملازمة الاسكار عند الاشتداد غالباً على الظاهر فيدخل في المسكر لأنّ المراد المسكر المنشئانية للاسكار وإنْ لم يكن مسكراً في جميع الأطوار وللموثق على نسخه التهذيب عن الرجل من أهل المعرفة يأتيني بالنجتج ويقول قد طبخ على الثلث وأنا أعرف أنّه يشربه على النصف فقال خمر (لا تشربه) والنجتج هو عصير العنب المطبوخ على ما حكى فإطلاق الخمر عليه يقضي بثبوت أحكامها لهو مطلقاً أو الظاهرة فقط ومن الظاهرة النجاسة ولا ينافي نقصان لفظ الخمر من الرواية في نسخة الكافي لترجيح المثبت على النافي ولخبر أبي بصير عن الطلا إن ذهب منه اثنان وبقى واحد فهو حلال وما كان دون ذلك فليس فيه خير والطلا هو المطبوخ من عصير العنب على ما حكي وللأخبار الدالة على أنّ الخمر من خمسة وعد منها العصير من العنب خرج ما قبل غليانه واشتداده فيبقى الباقي وقد يناقش في الإجماع المنقول بحصول الظن بعدم تحققه لإنكار الشهيد (() القول بنجاسة العصير غير المسكر عن غير ابن حمزة والمحقق وفي الخبر بضعف الظن بما في نسخة التهذيب مع عدم وجودها في الكافي الذي هو اضبط على أنّ التشبيه يكفي فيه أظهر الأفراد الذي هو الحرمة وفي الخبر بضعف الدلالة لأنّه مع حرمته لا خير فيه وفي الأخبار الدالة على الخمر من خمسة يراد بها حالة الاسكار والتخمر كما هو المفهوم من لفظ الخمر لا مطلقاً كما هو الحال في بقية الخمسة من النقيع والبتع ونحوها هذا إنْ قلنا أنّ العصير جملة مبتداه وإنْ قلنا أنّه بدل من الخمسة فلا دليل فيها ومع هذه المناقشة فالأقوى الحكم بالنجاسة لأنّ التخطي عما نسب للمشهور وأشعرت به الروايات ونقل عليه الإجماع لا وجه له هذا كله مع الغليان والاشتداد وأما لو غلي ولم يشتد وقلنا بعدم التلازم بين الغليان والاشتداد كما تخيله بعضهم فالظاهر بقاءه على الطهارة لعدم دليل يركن إليه على نجاسته بل الظاهر من لفظ الطلا والنجتج هو ما كان له نوع اشتداد في الجملة كما أنّه لا إشكال في طهارة ما عدا العصير العنبي من الحصرمي والزبيبي والتمري ونحو ذلك للأصل وعدم المخرج عنه من فتوى أو رواية مضافاً إلى أنّه يظهر من بعضهم الإجماع على طهارة ما عدا العنبي وسيما التمري وفي الخبر أنّ النبي (() يسأل عن التمر المطبوخ في الماء فأجابهم بأنّه يسكر فقيل نعم فقال كل مسكر حرام ودعوى أنّ العصير الزبيبي بل التمري نجس لما ورد من بول إبليس (لعنه الله) في شجرتيهما دعوى باطلة لأنّ ذلك البول ليس بنجس بل هو من المعاني الخفية ولأنّ البول إنما يظهر أثره بعد التخمير كما دلت عليه الروايات ولأنّ البول استحال إلى الطاهر فالأصل الطهارة حتى يقوم شاهد على النجاسة والظاهر أنّ المراد بالعصير العنبي المحرم شربه إجماعاً والمحكوم بنجاسته على الأقوى هو ما سمي عصيراً عرفاً وهو الماء المستخرج من العنب بعصر أو دق أو غمز أو تثقيل أو بتنقيع له بعد يبسه فيستخرج ماءه أو بوضعه على نار فيخرج منه والعصير وإنْ كان هو المعصور لغة إلاّ أنّ الباقي يشاركه في الاسم عرفاً أو في الحكم قطعاً من غير عثور على خلاف فيه فعلى ذلك لا يحكم بنجاسة الماء الملقى فيه بعض حبات لم تخرج اسم الماء عن إطلاقه وإنْ غلى الماء واشتد ولا بماء ألقيت فيه حبات إحالته خلاً قبل صدق العصير عليه لقلة ممازجة ماء العنب للماء ولا بمائع آخر من دبس أو دهن القي فيه عنب يابس فغلى من دون غليان مائه أو ماء مطلق قد مازجه والاحتياط في بعض الصور لا ينبغي أن يترك والمراد بالغليان أن يصير أعلاه أسفله وبالعكس والنشيش أن يصير أسفله أعلاه والظاهر أنّه مقارب للغليان ولا يتفاوت الحال بين كونه يغلي لنفسه أو بنار أو بشمس أو غير ذلك نعم يختص الغليان حرمة ونجاسة بما استخرج من العنب ولو بممازجة الماء المطلق فلا يسري إلى العنب نفسه لو غلى ماءُه الذي هو فيه من دون خروج أجزاء من مائه إلى خارج.
القول في المطهرات وهي أنواع.
أحدهـا: الماء المطلق العاري عن ممازجة ما يسلبه الإطلاق عرفاً وهو رأس المطهرات وأكملها وبه امتن الله على عباده ولكن المتيقن من دليل التطهر به هو كونه مطهراً في الجملة فهو بالنسبة إلى المطهر والى كيفية التطهير مجمل لا عامٌ حتى يستدل به على جواز التطهير لكل شيء بكل حال على تحويل يحتاج في مقام الشك إلى بيان وسيجيء التفصيل إن شاء الله تعالى ولا يجوز التطهير بغير الماء المطلق من المياه المضافة والمائعات لاستصحاب النجاسة إلاّ مع يقين المزيل ولفتوى الأصحاب إلاّ ممن لا يعتد به ولسيرة المسلمين وعملهم ولاختصاص الأخبار بالماء المطلق.