انوار الفقاهة-ج15-ص23
ثالثهـا: يجب في الكثير مع ما قدمناه أغسال ثلاثة غسل للصُّبح ولها أن تقدمه فتُصلّي به صلاة اللّيل والصبح وغُسل للظّهرين وغسل للعشائين تجمع بين الفريضتين لفتوى الأصحاب والإجماع المنقول وأخبار الباب المتكثرة الدالة على أنّ الدّم إذا سال وإذا جاز الكرسف اغتسلت ثلاث أغسال ويدل على تغير القطنة الأخبار بمنطوقها وعلى تغير الخرقة وتخفيف النّجاسة الأخبار بفحواها وعلى الوضوء لكل صلاة العمومات الآمرة به والاحتياط ولزومه لقليل هذا الدّم فلكثيره أولى ولأصالة عدم إغناء الغُسل عنه ويمكن المناقشة في هذه الأدلة بانصراف أوامر الوضوء لكل الصلاة إلى المحدثين بالأحداث المعهودة سيما الآية فإنها مفسرة بذلك وإنها خطاب للذكور فشمولها للنساء في غير ما قام عليه الإجماع ممنوع ومنع الاحتياط والأولوية بعد خلو الأخبار البيانية عنه في مقام الحاجة فالقول بعدم لزوم الوضوء متجه وأوجه منه لزومه مع كل غسل لا لكل صلاة لما ورد أنّ كل غسل معه وضوء وعدم قابلية تخصيص هذه الأخبار لعدم بيان الوضوء فيها لتلك الأخبار وهل يجوز تفريق الأغسال على الصلوات الخمس لظهور أنّ الجمع رخصة وتخفيف أو لا يجوز لظاهر الأمر بالجمع وجهان أوجههما الأوّل لأنّ الأمر هاهنا في مقام توهم الخطر في الجميع لاستمرار الحدث والاحتياج إلى المبيح في كل أنّ من آناته وأما تعجيل واحدة وتأخير أخرى فلا شك أنه رخصة لا عزيمة ولا يجب وقوع الغسل بعد دخول الوقت وإن كان الأحوط ذلك نعم لا يجوز الفصل بفاصلة طويلة بين الغسل والصّلاة كما يشعر به تفريق الظُّهرين والعشائين كل منهما بغسل وأما الفواصل المندوبة من آذان وإقامة فلا بـأس بهما على الأظهر وأما النوافل الرواتب فلا يبعد جواز جمعها مع فرائضها وجواز استقلالها بغسل على حدة وخيال سقوطها ساقط والظاهر أنّ حكم الاستحاضة الكثيرة حكم مستديم الحدث يجب لاستمرارها، الأغسال المذكورة ويجب لانقطاعها غسل سواء انقطعت رأساً وأصلاً أو تبدلت للأدنى منها وسواء عادت بعد الانقطاع والتبدل أو لم تعد وخيال أنّ استدامة الدّم هو الحدث الموجب للأغسال فبدونه لا يجب غُسل أو هو الموجب للأغسال والوضوءات فبدونه لا يجب غسل ولا وضوء ضعيفان مخالفان لظواهر الأخبار المشعرة بحدثية هذا الدّم نفسه وبترتب لوازم الحدث عليه من حيث هو كذلك فيجب الغسل لحدوثه ويجب الغسل لانقطاعه فعلى ما ذكرناه لو حصلت الكثيرة في الليل وانقطعت الفجر أو تبدلت بالقليلة وجب الغسل لانقطاعها ولو اغتسلت لانقطاعها فصلت الفجر فعادت فإن استمرت للظهر وجب الغسل لحدوثها وإن انقطعت قبل الظهر وجب الغسل لانقطاعها لصلاة الظهر أيضاً وهكذا ولو طرأت بعد غسل الانقطاع ولو في أثناء الصلاة وجب القطع وتجديد الغسل لحدوثها إلاّ إذا كانت الفترات قليلة جداً ولو طرأ الانقطاع بعد الغسل لحدوثها أو بعد التلبس في الصلاة وجب عليها الغسل له وقطع الصلاة إلاّ أن يكون الانقطاع قيلاً لا تسع الطهارة والصلاة ولو علمت المستحاضة العمل اللازم في الكثيرة وأدخلت قطنه أخرى واغتسلت بزعم بقاء الدّم فتبين انقطاعه قبل الغسل لخروج القطنه نقية أو شبه ذلك كفى ذلك الغسل للانقطاع وكفت نية الاستباحة عن نية الرفع.
رابعهـا: يجب في المتوسطة جميع ما ذكرناه سوى غسلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء فيكتفي فيها بغسل واحد لصلاة الصبح وفاقاً للمشهور والرضوي المؤيد بفتواهم المصرح بالوحدة وبأنه للفجر وللأخبار المتكثرة الدالة على ثبوت غسل واحد ويضم إليها عدم القول بوجوبه لغير صلاة الفجر بل الإجماع البسيط دال على ثبوته للفجر والمخالف شاذ لا يعتد به وإنما الكلام في ثبوته لباقي الصلوات فأنكره المشهور وأثبته جمع من أصحابنا وألحقوا المتوسطة بالكبيرة تمسكاً بإطلاقات الصحاح الدالة على أنّ الدّم إن ثقب الكرسف اغتسلت ثلاثاً وإلاّ توضأت (كصحيح معاوية بن عمار) وألدالة على أنّ المستحاضة عليها ثلاثة أغسال مطلقاً خرجت القليلة بالإجماع وبقي الباقي وهو ضعيف لتقيد هذه المطلقات بالأخبار المؤيدة بالاشتهار والموافقة للاعتبار من استبعاد الترقّي من وضوء إلى أغسال ثلاثة فمنها (صحيح الحسين بن نعيم) وفيه فإن كان الدّم فيما بينها وبين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف فلتتوضأ ولتصلي عند وقت كل صلاة وأراد بهذه القليلة بقرينة الأمر بالوضوء وما بعده حيث قال فإنْ طرحت الكرسف عنها وسالَ الدّم وجبَ عليها الغُسل وأراد بهذه المُتوسّطة لأنّ الدّم عند طرح الكرسف فيها معرض للسيلان وبقرينة ما بعده حيث قال وإن طرحت الكرسف ولم يسل الدّم فلتتوضأ ولتصلي ولا غسل عليها وأراد بالغسل غسل الفجر الواحد دون طبيعة الغسل بقرينة قوله بعد ذلك وإن كان الدّم إذا أمسكت الكرسف يسيل من خلف الكرسف صبيباً ولا يرقى فعليها أن تغتسل كل يوم وليلة ثلاث مرّات ومفهوم الشرط وتقيده بوصف كونه صبيباً لا يرقى دليل على حكم المتوسطة أيضاً.
منهـا: (صحيح زرارة) فإنْ جاز الدّم الكرسف تعصّبت واغتسلت ثم صَلّت الغداة بغُسل، والظّهر والعصر بغُسل والمغرب، والعشاء بغُسل، وإن لم يجز الكرسف صلت بغسل واحد والقدح في الرواية بالإضمار بعد أن كان المضمر هو (زرارة) كالقدح باحتمال إرادة غسل النفاس من الغسل الواحد بعد الإعراض عن أحكام النفاس والأخذ بتفصيل الأحكام المستحاضة ضعيف ولا يلتفت إليه.
ومنهـا: الموثّق قال المستحاضة إذا ثقب الدّم الكرسف اغتسلت لكل صلاتين وللفجر غسلاً وأراد به مع السيلان بقرينة قوله (فإن لم يجز الدّم الكرسف فعليها الغسل كل يوم مرة) ويضم إلى ذلك الإجماع على عدمه لغير الفجر.