انوار الفقاهة-ج14-ص26
سابعهـا: لو أحدث المغتسل عن الجنابة ترتيباً في أثناء الغسل أو ارتماسياً عند نية الغسل في الارتماسة قام احتمال صحة الغسل وإتمامه في الأول والبناء عليه في الثاني والوضوء للصلاة بعد ذلك لأصالة البراءة وأصل الصحة ولما جاء من جواز التراخي في الغسل من دون تفصيل بين وقوع الحدث وعدمه وعموم الأدلة الدالة على ان ما جرى عليه الماء فقد طهر وإن كل شيء أمسسته الماء فقد أنقيته وإطلاقات أوامر الغسل من دون شرط آخر ولعموم أدلة إيجاب الحدث الأصغر الوضوء والمتيقن من رافعه أحد أمرين إما الغسل كلاً أو الوضوء والأول غير حاصل فيبقى الوضوء وقام احتمال لزوم الإعادة من رأس البطلان الغسل لأن المفهوم من أخبار غسل الجنابة أن الصحيح من الغسل ما ترتفع معه الأحداث الصغار بالمرة ومثل هذا لا يرفع ما تخلله قطعاً ولأن المتخلل حدث فلا بد له من أثر فهو إما الغسل وهو المطلوب أو الوضوء وهو مناف لما دل على أنَّ كل غسل معه وضوء إلاّ الجنابة ولأن الحدث ناقض لتمام الغسل فانتقاض بعضه به بالطريق الأولى وحينئذ فارتفاعه إما ببعض الغسل ولا دليل عليه أو بالوضوء وهو منهي عنه أو بالغسل وهو المطلوب لروايتي عرض المجالس والفقه الرضوي الدالتين على الأمر بالإعادة المؤيدتين بالشهرة المنقولة والاحتياط في العبادة للشك في المانعية وما شك في مانعيته مانع وقام احتمال صحة الغسل وإتمامه للأصل واستصحاب الصحة ولعدم ايجاب المتخلل للغسل لانه ليس من نواقضه ولا موانعه وللوضوء للنهي عنه وللشك في سببيته مثل هذا الحدث للوضوء لأنَّ تأثير الحدث قبل ارتفاع الجنابة مشكوك فيه ولذا أن الحدث قبل الاغتسال لا أثر له في إيجاب شيء ولأن ارتفاع الجنابة إنما يكون بتمام الغسل وحصول الجزء الأخير منه وهو السبب في رفع الأصغر فإذا حصل الجزء الأخير منه حصل ارتفاع الحدث الأصغر وقام احتمال لزوم الإعادة من رأس للشك في الخروج من العهدة بمثل هذا الغسل ولزوم الوضوء للشك في ارتفاع الأصغر بدونه لاحتمال صحة الأول وعدم رافعيته للأصغر واحتمال صحة الثاني ورافعيته وحيث قام الاحتمالان بقي الحدث الأصغر مستصحباً وقام احتمال لزوم إتمام الغسل للنهي عن إبطال العمل ولاحتمال صحته فلا يجزي عنه المعاد ثم الإعادة للغسل ثم الوضوء كما تقدم وقام احتمال لزوم الإتمام والإعادة والحدث الأصغر ثم الوضوء بعده خروجاً عن شبهة تحريم الوضوء مع غسل الجنابة وهذه الاحتمالات منها أقوال مشهورة معروفة كالثلاثة الأول منها يجيء بها الاحتياط باختلاف مراتبه والجميع لا يخلو عن مناقشة أما الأول فللقدح في الأصل والاستصحاب بطرو ما يرفعهما من الشغل اليقيني المستدعي للفراغ اليقيني وللقدح في عمومات الأدلة واطلاقات الأوامر بانصرافها للمعهود المتكرر وهو الحاصل من غير تخلل حدث ولأن ما دل على بيان جواز التراخي إنما جاء لبيانه لا لبيان جميع ما يعرض له من حدث أصغر أو أكبر أو غير ذلك ولأن ما دل على لزوم الوضوء مخصوص بما إذا لم يكن غسل جنابة ولو كانت جنابة كان احتمال دخول الوضوء تحت أدلة المنع مساويا لاحتمال دخوله تحت أدلة الوجوب ولا ترجيح وأما الثاني فللمنع من كون صحيح الغسل ما رفع الأحداث الصغريات بل للغسل أثران رفع الأكبر وهو لا زم لا ينفك والأصغر وهو غير لازم كالمحدث بعد الغسل والمحدث في غير غسل الجنابة والأول لا يصح الغسل بدونه والثاني لا نسلم عدم الصحة بدونه إذ لا دليل على أن ما لم يرفع الأصغر باطل كي يؤخذ به غاية ما جاء أنْ لا وضوء مع غسل الجنابة وهو منصرف لغير الحدث المتخلل فيقتصر فيه على المورد اليقيني فحينئذ يصح الغسل ويلزم معه الوضوء للاستباحة التامة ودعوى أن الأصغر والأكبر لا ينفكان في غسل الجنابة وإن الطهارة في الجنابة لا تتركب من صغرى وكبرى أول الكلام وما دل على ان كل غسل معه الوضوء إلا الجنابة مشكوك في شموله للغسل المتخلل في أثنائه الحدث الأصغر وارتفاع الحدث بالوضوء لا بأس به في المتخلل لانصراف المنع لغيره بل ارتفاعه ببعض الغسل لا بأس به لأن تأثير الغسل بعد تمامه فيؤثر الرفع عند إتمامه واستبعاد رفع جزء قليل من آخر الغسل لأحداث صغار متكثرة ممنوع بعد شمول الأدلة له والروايتان ضعيفتان والشهرة غير مسلمة والاحتياط معارض بمثله وأما الثالث فلمنع الأصل والاستصحاب بما ذكرناه ولانا لا نقول بأن الحدث الأصغر ناقض بل نقول أن صحة الغسل المرتبط بعدم الوضوء مشكوك فيه لانصراف ادلة صحته لغير المفروض ولمنع دعوى عدم تأثير الحدث الأصغر قبل تمام الغسل لعموم دليل التأثير والتخصيص مفتقر إلى دليل غاية ما خرج المتقدم فيبقى الباقي ولمنع ارتفاع الجنابة بالجزء الأخير ولئن سلم فلا نسلم ان ارتفاع الجنابة لازم لارتفاع الحدث الأصغر، نعم هو مسلم في غير المتخلل وأما الاحتمالات الاحتياطية فأسلمها في الاحتياط هو الأخير لمكان النهي عن الوضوء في غيره ولاحتمال خرق الإجماع المركب من التزام إعادة الغسل والوضوء وهو مخالف لجميع الأقوال وأحوط من الأخير إتمام الغسل وإعادة الجنابة والغسل لها ويقوى في النظر قُوّة القول الأول فتوى والأخير أحتياطاً لقوة دليل الأول لمن تأمل وقرب الأخير للخروج عن العهدة على أي تقدير والغسل الارتماسي على الأصح من انه الارتماسة العرفية لا الحكمية يجري عليه ما يجري من الترتيب من الاحتمالات وكذا على القول بترتيبه حكماً وعلى انه الارتماسة الحكمية يصح مقارنة الحدث لجميعه كما يصح مقارنة الحدث لجميع الغسل الترتيبي وحينئذ فتقوم الاحتمالات المتقدمة سوى احتمال الصحة من غير وضوء لعدم إمكان تعقب الحدث جزء من الجنابة يصح استناد رفع الأصغر إليه المحدث في أثناء غسل غير غسل الجنابة من الأغسال الرافعة لا ينتقض غسله ولا تجب عليه الإعادة إلا على القول باشتراك الغسل والوضوء في رفع الحدث الأصغر فإنه قد يحتمل وجوب إعادة الغسل ليرفع الحدث به وبالوضوء.
ثامنهـا: لا يشترط تعين نوع الغسل من كونه ارتماسياً أو ترتيبياً على الوجه القوي فلو أدخل رأسه ناوياً الإرتماس وقلنا أن إدخال الرأس من أجزائه لا من مقدماته فعدل إلى الترتيب صح وكذا العكس نعم يشكل ذلك لو قلنا أن إدخال الإجزاء من مقدمات الارتماس في النية على كلا التقديرين ولا يبعد أن للمغتسل ترتيبياً العدول عنه بعد إبطاله إلى الارتماس وكذا العكس لو أمكن لجواز العدول من أحد فردي الواجب قبل إتمامه إلى الآخير ويكون هذا طريقاً للاحتياط لمن أحدث في أثناء الغسل ولكنه لا يخلو أيضاً من احتياط لازم.
تاسعهـا: من كانت عليه أغسال معها جنابة جاز أن يفرق كلا أو بعضاً وجاز ان يداخل كُلاً أو بعضاً قيل ولو فرق وجب تأخير غسل الجنابة عن باقي الأغسال وللمغتسل عن حدث معين أن يغتسل في أثنائه عن حدث آخر قيل إلاّ الجنابة فإنه لا يجوز إيقاع غسلها في أثناء غسل آخر ويجوز لمن جمع بنيته بين الأغسال في الغسل الترتيبي فغسل رأسه أن يعدل فيفرق فيجعل غسل الشقين لواحد معين على الأظهر وهل يجوز لمن فرق فغسل رأسه عن حدث ثم غسل مرة أخرى عن حدث آخر أن يجمع بعد ذلك في الشقين أم لا يجوز؟ الأظهر العدم.