انوار الفقاهة-ج14-ص5
ثالثهـا: لا يصح الوضوء بماء مغصوب مع العلم بغصبه للاحتياط الواجب بعد شغل الذمة اليقين ولفتوى المشهور والإجماع المنقول ولاستلزام الوضوء التصرف بمال الغير المنهي عنه فلا يصح به التقرب وللشك في شمول الأوامر لمثل هذا بل لظهور تخصيص الأوامر المطلقة بهذا المنهي عنه لعدم جواز اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد شخصي وما علم إذن المالك به أو ظن من القرائن اللفظية أو المعنوية أو الفعلية فليس من المغصوب والظاهر أن التقديرية وهي أنه لو علم لرضى كالإذن التحقيقية الفعلية وما يشق التحرز عنه مما كان في طرق المسلمين من الأنهار والقنوات والعيون فلا بأس باستعمالها للمستطرقين مع عدم نفي المالك للسيرة المستمرة من المسلمين على ذلك بل ومع لحضية للإذن السماوية ونفي الضرار على الأظهر والاحتياط غير خفي وجاهل غير ممنوع الغصب يصح وضوءه لعدم توجه النهي إليه وكذا ناسيه إذا لم يكن النسيان عن عدم اعتناء واحتفال بالمغصوب كما يفعله الغصاب كثيراً فإن هذا النسيان بحكم العمد فيشك في شمول الخطاب له وبعضهم أطلق عدم الصحة حتى مع الجهل والنسيان وبعضهم فرق بينهما والحق ما ذكرناه والجهل بالحكم إن تعلق بكون الغصب حراماً متخيلاً حلية مال الغير فالأظهر الصحة لعدم توجه النهي إليه لأنه أعذر من جاهل الموضوع إذا لم يخطر له السؤال ببال وإن خطر له السؤال بالبال أو كان جاهلاً بحكم الإفساد زاعماً أن الحرام يتقرب به فالأظهر البطلان ولو وضع الماء المغصوب فتقاطر فغسل بالباقي غسلاً كالدهن أو مسح به احتمل القول بالصحة لتنزيله منزلة التالف فيضمن المثل والقيمة ويصح التصرف واحتمل البطلان لان الضمان لا يسوغ التصرف بمال الغير وكذا عدم التمكن من الرد لعدم القابلية لذلك أو للحجب لا يسوغ التصرف فالاحتياط يقضي بعدم الجواز بل ربما يقال بوجوب الرد ولو مع عدم الإمكان لان ما بالاختيار لا ينافيه ولكن البناء عليه مشكل والأظهر أن المياه الجارية إنما تحل للمارين بها دون الساكنين حولها ودون الغاصبين لها اقتصاراً فيما خالف الأصل على مورد اليقين والأظهر وجوب تجنب ما نهى المالك عنه من الأنهار الصغار الجارية في الطرق وإن حلّ استعمالها مع الجهل بخلاف الكبار فإن الأظهر جواز الاستعمال ولو مع النهي وبخلاف المياه القليلة الموضوعة في الطريق أو في الأراضي المملوكة فإنها لا تحل إلا بإذن المالك ولا يشترط إباحة الآنية فيصح أخذ الماء من آنية مغصوبة أو ذهب أو فضة والوضوء بها إلا إذا انحصر الماء فيها فلا يبعد الفساد لانتقال الحكم إلى التيمم فيقع وضوءه من غير خطاب وكذا لا يشترط إباحة موقع الماء لعدم توجه النهي إلى الوضوء فيصح إلا إذا انحصر الموقع في المغصوب فلا يبعد حينئذ الانتقال إلى خطاب التيمم والأحوط ترك العبادة لشبهة توجه النهي إليها لصدق الانتفاع بمال الغير بوضوئه فيكون منهياً عنه مطلقاً.
رابعهـا: لا يصح الوضوء في مكان مغصوب فضاؤه لأن إجراء الماء في الغسل وإمرار اليد في المسح تصرف في مال الغير فيتعلق به النهي ولان التصرف بمال الغير هو الانتفاع به بنوم أو جلوس أو غسل أو وضوء غسلاً أو مسحاً واحتمل جمع الصحة لعدم تعلق النهي بالوضوء لعدم تسميته تصرفاً بمال الغير بل التصرف هو بالجلوس وشبهه أو لعدم بطلان الوضوء بتعلق النهي لإمكان اجتماع الأمر والنهي وكلاهما ضعيف مخالف للقواعد الشرعية ولو وجب الخروج على الغاصب فالأقوى عدم جواز الوضوء له بخروجه لاستلزامه تصرفاً آخر خارجاً عن الخروج وأما المكان المغصوبة أرضه دون فضائه ومثله النعل والخف والبساط عند الجلوس فالأقوى صحة الوضوء عليهما لعدم صدق التصرف بالوضوء فيها ولو كان مع الاعتماد عند المسح عليها والمحبوس في المكان المغصوب يقوى القول بصحة وضوئه لإباحة الكون له وعدم حصول ما يزيد عليه عند الوضوء لأن جميع أعضائه لا بد لها من كون يشملها فلا فرق بين رفعها ووضعها وبين إبقائها والأقوى عدم الصحة لاستلزام الوضوء تصرفاً زائد على نفس الكون وانتفاعاً آخر فيتعلق به النهي وعلى الصحة فالأحوط التأخير إلى الضيق ولو حبسه المالك في بيته فالأظهر جواز الوضوء والصلاة لإسقاط حرمة حاله بوضع المسلم فيه من غير حق ولو لم يجد المحبوس في المكان المغصوب سوى الماء المغصوب وجب تركه وهل يجوز التيمم بالتراب المباح أو بالتراب المغصوب في الأرض على وجه لا يستلزم تصرفاً زائداً على مجرد المماسة من علوق وشبهه أم لا والأظهر عدم جواز التيمم وصيرورته كفاقد الطهورين لما ذكرناه من استلزام التيمم والوضوء تصرفاً زائداً.