انوار الفقاهة-ج12-ص40
ثالثهــــا: حكم الشبهة المحصورة تجنب الجميع إذا دخل المحرم في غيره من الأفراد واشتبه حتى في الواجب لاشتمال المحرم الأصلي على المفسدة ودفعها أهم من جلب المنفعة وترك الواجب وأن اشتمل على ذلك أيضاً لكن مفسدته لا توازي مفسدة المحرم الأصلي فيترك لأجلها وتشعر بذلك الأخبار وكلام الأصحاب، نعم لو علمت أهمية الواجب كحفظ النفس المحترمة والعرض واشباهها من غير العبادات قدم على ترك المحرم وفعل المحرم لأجله والدليل على وجوب التجنب هنا فتوى الأصحاب بل ربما يدعي الإجماع وكذا باب المقدمة للأمر باجتناب المحرم واقعاً ولا يتم إلا باجتناب الجميع ولا يحصل الامتثال عرفاً إلاّ به وكذا استقراء الأخبار في مقامات متعددة كالناهية عن أكل اللحم المختلط ذكّيهُ بميتة وكالإمرة بالصلاة في الثوبين المشبّهين والأمره بإهراق الإناءين وغير ذلك فالقول بالرجوع للقرعة هنا ضعيف جداً لضعف دليلها ولكن ذهب جمع إلى حلية الجميع على سبيل التدريج حتى ينتهي إلى ما يقطع باستعمال المحرم معه بل هو حلال حتى ما يقطع معه باستعمال المحرم لأن القطع باستعمال المحرم معه ولو سابقاً لا يُصيّرهُ محرماً إنما المحرم ما تعلق به التحريم، نعم لو ارتكب الجميع دفعة حرم للقطع باستعمال المحرم حين ارتكابها واستدلوا على ذلك بالأصل والاستصحاب وبأنه يكفي في رفع يقين خطاب التحريم عدم العلم بفعل المحرّم ولا يتوقف على العلم بعدم فعل المحرّم وبأن التكليف مع العلم والبيان ومع الجهل يرتفع من أصله لأن الناس في سعة ما لم يعلموا أو بالأخبار الدالة على أن كل شيء فيه حلال وحرام فهو حلال حتى تعلم الحرام بعينه فتدعه وبالأخبار الدالة على حلية جوائز الظلم والأخذ مما في أيديهم وغير ذلك من الأخبار وهذا المذهب وإن كان فيه قوة إلاّ أنّ الأوّل أقوى منه لضعف ما ذكروه في الاستدلال أما الأصل والاستصحاب فهما مقطوعان أولا بيقين التحريم فلا يصح التمسك بهما والقول بأن يقين التحريم غير قاطع لأجراء الأصل في كل فرد لأن كل فرد مشكوك في تحريمه بل هو قاطع لمجموع الأصلين فلا يقطع كل فرد فكل فرد مشكوك في طرق القاطع عليه والشك في القاطع لا يقطع الأصل مردوداً ولا بأن اليقين كما أنه قاطع لعمل الأصلين معاً كذلك يكون قاطعاً لعمل كل واحد للزوم الترجيح من غير مرجح لو عمل بأحدهما دون الآخر ولأنّ الدليلين إذا علم طرق الناقض عليهما بطل العمل بكل منهما، نعم لو لم يعلم بذلك كان الحكم أن يؤخذ بأحدهما على سبيل التخير وثانياً بأن باب المقدمة حاكم على الأصل ووارد عليه فيقدم عليه وثالثاً بأن العلم على أحد الأصلين يستلزم إثبات التحريم في الجانب الآخر والأصل المثبت لا يصح التمسك به وأما كفاية عدم العلم بفعل المحرم وفي دفع التكليف بالمحرم فهو مسلم في ابتداء التكليف أو في غير المحصور لجريان أصل الحل فيهما وشمول عموم أدلة أصل الحل لهما وغير مسلم في المحصور المقطوع بدخول المنهي عنه فيه وأما لحكم بأنه لا تكليف إلا بعد البيان والناس في سعة ما لم يعلموا فهو مخصوص بما جاء في الشبهة المحصورة أو أن مورده غيرها لأنها مما يُعَلّمُ لا مما لا يُعْلَم. وأما أخبار التحليل فهي غير شاملة للشبهة المحصورة لأن الشبهة المحصورة مما يعلم فيها الحرام بعينه هذا أولا وأما ثانياً فهي متنزلة على ما في أيدي المسلمين من المال المشتبه فموردها مورد الأخبار الدالة على حلية ما يؤخذ من أيدي الظلمة فإنه وإن كان من الشبهة المحصورة إلا إنه حلال للأخبار الدالة على ذلك وإما ثالثاً فحملها على الشبهة غير المحصورة أولى لتصريح كثير من الأخبار فيها بالتمثيل بالجبن ونحوه مما هو في سوق المسلمين من غير المحصور وأما. رابعا فهو من قبيل العام فتكون مخصوصة بما جاء في الشبهة المحصورة والخاص يحكم على العام.
رابعهــــــا: بمقتضى ما ذكرناه من حكم الشبهة في الواجب المشتبه هو وجوب فعل كل ما يدخل فيه الواجب ولم يكن محرماً أصلياً وإن حرم تشريعاً لرفع الأحتياط الحرمة التشريعية واجتناب كل ما يدخل فيه المحرم الأصلي فيجيب حينئذٍ الصلاة إلى الجهات المتعددة عند اشتباه القبلة والصلاة في الثياب المتعددة عند اشتباه الطاهر بالنجس والوضوء والغسل بالمياه المتعددة إذا أمكن التطهير في كل واحد ثم الصلاة بعد كل طهارة وهكذا ويحرم الأقدام أيضا على الإناءات المتعددة إذا كان فيها مغصوبا أو كان حريراً أو كان ذهباً أو غير ذلك مما كانت حرمية أصلية لا تشريعية وكذا كل ما اختلط فيه محرم أصلي فإنه يجب اجتنابه وكل ما دخل فيه الواجب والمحرم نفر للأهم في نظر الشارع فقدم الظاهر أن جانب ترك التحريم من حيث هو أهم في نظر الشارع من فعل الواجب نعم خرج من تلك القواعد الإناءآن المشتبه طاهرهما بنجسهما فإنه يجب إراقتهما والتيمم وإن كان مقتضى القاعدة وجوب الوضوء بهما أو بأحدهما على القول بعدم وجوب اجتناب الشبهة المحصورة وذلك للإخبار المعتبرة بفتوى الأصحاب المعمول عليها فيما عندهم وفي إلحاق الغسل بالوضوء وجه قوي واحتمال أن حرمة استعمال النجس أصلية لا تشريعيّة بعيد كل البعد.
خامسهــا: هل يجوز ارتكاب الشبهة المحصورة عند إمكان استعمال غيرها كأن يصلي في الثوبين المشتبه فيهما النجس وعنده طاهر أم لا؟ يجوز وجهان أقواهما المنع لأن المتيقّن من جواز ارتكابها إنما هو في حال الاضطرار.
سادسهــــا: هل تجب إراقة الماء تعبدا عند اشتباه الإنائين أو تجب لصحة التيمم لأنه مشروط بفقد الماء أو لا يجب والأمر بالإراقة مراد به الأمر بالترك؟ وجوه أقواها الأخير.
سابعهـــا: ليس من الشبهة المحصورة اشتباه التكليف بالنسبة إلى المكلفين كواجدي المني في الثوب المشترك ويلحق به على الظاهر اشتباه وقوع قطرة من نجاسة على أحد بدني شخصين وفي إلحاق ثيابهما وجه وأما غير ثيابهما فما كان في أيديهما أو مطروح بينهما وأن كان كل واحد ملكاً لواحد فهو من الشبهة المحصورة.