انوار الفقاهة-ج12-ص17
ورد في كثير من الأخبار أن ماء الحمام سبيله سبيل الجاري إذا كان له مادة وأنه لا باس بِهِ إذا كانت له مادة وورد أنه كماء النهر يُطهّر بعضه بعضاً وورد أنه لا ينجسه شيء وورد أنه طهور بعد السؤال عن اغتسال من لا يعرف أنه يهودي أو نصراني به والجنب من غير الجنب وورد نفي البأس عن مائه بعد استعمال الجنب له ومساورته له واغتساله فيه وغير ذلك وجاء في جملة من كلام الأصحاب أيضا إن ماء الحمَّام كماء الجاري إذا كان له مادة ويراد بالحمام في الأخبار وفي كلام الأخيار هو ما نُسمّى حماما عرفا سواء جمع جميع الأماكن المعلومة له من المسلخ والنورخانة والحوض الكبير والبيت الداخل والبيوت الصغار والخزانة وبيتها والحياض الكبار المتوسطة والحوض الصغير وغير ذلك أو نقص عن ذلك إلى أن ينتهي إلى حوض الماء المسخن والبيت المشتمل عليه للجلوس وإزالة الوسخ وسواء كان مبنيا في دار أو في محله مستقل بنفسه أو كان محمولاً كما تحمله العظام من الأمراء والمراد بمائه كما يظهر من النص إطلاقا والفتوى نصّاً هو الماء الكائن في الحياض الصغار لا الماء المرشوش في الأرض ولا ماء الغسالة المجتمع في الجية ولا الماء البارد الكائن في المجرز ولا الماء الحار المستمد منه الماء إلى الحياض الصغار لانصراف الإطلاق إلى ذلك ولقضاء قرائن السؤال والجواب بذلك وكذا التعليل بالمادة وتشبيههِ بالجاري وفي بعض الأخبار دلالة على ذلك أيضا فما تشعر به الأخبار من إرادة ماء أرضه أو الماء من المتقاطر ممن اغتسل فيه أو غير ذلك لا يصلح لمعارضة ما ذكرنا، نعم قد يقوى بشموله للحوض الكبير ويكون التسائل عنه من جهة كثرة تردد الناس إليه وكثرة استعمال المجنبين له وكثرة حلول الأوساخ فيه وإن كان في الأغلب يبلغ كُرّاً فما فوق ولكن تعليله بالمادة وتشبيهه بالجاري مما يبعد ذلك لانقطاع الحوض الكبير عن مادته غالبا كما تراه اليوم ومقتضى التعليل بالمادة وشبيهه بالجاري أن الحكم بذلك مخصوص بحال اتصال ماء الحياض الصغار بالمادة فلو انقطع عنها كان حكمه حكم الماء القليل ثم أنه بعد ذلك فهل يشترط في طهورية ماء الحياض عند اتصالها بالمادة كرية المادة أو يكفي كرية المجموع أو يكفي مسمى المادة وأن نقص المجموع منها ومن ماء الحياض عن الكرية وعلى أي تقدير فهل يشترط استواء السطوح بين المادة وبين ماء الحياض أو لا يشترط ذلك بل يكفي كونها أعلى تسريحيا أو تسنيميا بل وكونها أسفل وجوه واحتمالات وفي كثير منها أقوال أقواها كفاية بلوغ المجموع كُرّاً إذا تساوت السطوح أو كانت المادة أعلى تسنيمياً أو تسريحياً لعموم أدلة طهورية الماء وخصوص أدلة طهورية ماء الحمام السالمة عن معارضة أدلة انفعال ماء القليل مفهوماً ومنطوقاً لضعفها أو لا عن مقاومتها بعد أن كان بينها عموم من وجه ويجب فيه تقديم الراجح ولعدم شمولها للبالغ كُرّاً عند اجتماعه مع المادة لصدق الكُريّة عليه عرفا واحتمال عدم صدق الكُريّة عليه باعتبار تعدّد محلّه وشرط الكُرّ في عدم الانفعال وحدة الماء وعدم صدق إنهما ماءان عرفا ضعيف لأنه مع تساوي السطوح لا شبهة في كونه ماء واحداً عرفاً ومع علوّ المادة فهو إما كذلك سيَّما في التسريحي أو أقوى من ذلك لاعتصام السافل بالعالي وقوة العالي عليه فيشكُّ في شمول أدلة انفعال الماء القليل المجتمع على ذلك النحو لانصراف المفهوم في أخبار الكُرّ لغير المجتمع مطلقاً وموردها أيضا المياه المتفرقة في الأواني والحياض الغير البالغة ذلك ولو لا الشك في اعتصام العالي بالسافل وفي قوته به لقلنا بعدم انفعال العالي إذا بلغ مع السافل كرا أو لقلنا بعدم تنجيس العالي القليل إذا كان متصلا بالجاري وشبهه على نحو المساواة أو على نحو علو الواقف عليه بل ولقلنا بتطهير السافل للعالي المتنجس إذا اتصل به على أي نحو من أنحاء الاتصال ولكنا لا نقول ذلك لأن السافل لا يعصم العالي ولا ينفعل العالي به وذهب جمع من أصحابنا منهم المحقق إلى كفاية الاتصال بالمادة في عدم الانفعال ولو لم يبلغ مجموع ماء المادة والحياض كرا تمسكا بعموم أدلة طهورية ماء الحمام إذا كانت له مادة وبإطلاقات الأصحاب لذلك أيضا وفيه أن الأدلة بينهما عموم من وجه والترجيح بجانب أدلة انفعال القليل لقوتها بفتوى المشهور وعمل الجمهور والاحتياط وظهور ماء الحمام في البالغ كرا فما زاد لندرة الناقص عن كُرّ إطلاقا ومصداقا وأطلق كثير من المتأخرين اشتراط كريّة المادة حين اتصالها بالحياض لملاقيه للنجاسة استنادا لعدم وحدة الماء وتعدده فلا يعتصم الحوض الصغير إلا بالكُر وفيه أن ذلك مع تساوي السُّطوح لا معنى له لاكتفاء جملة منهم في غير الحمام لبلوغها كُرّاً باستواء سطوح المياه إذا تعدّدت محالّها فإن لم يكن الحمّام أخف فلا يكون اشد وفي مختلف السطوح بتسنم وانحدار وأن أمكن الميل إليه لشبهة إنهما ماءان عرفا لكن لا نرتضيه أيضا لان الأقوى كونهما ماء واحداً عرفا فيعتصم السافل بالعالي مطاقا لضعفه وقوّة العالي عليه بل ويعتصم مطلقاً لو لا ضعف السافل فيقع الأشكال من جهته ويحصل الشك فيما إذا تنجس العالي في اعتصامه بالسافل للشك في دخوله تحت إطلاق الكُر المحكوم بطهارته لعدم العموم المحقق بأن كل كر على أي نحو من أنحاء الوضع وأنحاء الملاقاة لم يحمل خبثاً ويمكن حمل كلام كثير منهم على خصوص العالي بتسنم كما هو الغالب في ماء الحمام فيهون الأمر أو يحمل على اشتراط الكريّة في الرفع عند نجاسة الحياض دون الدفع أو يحمل اشتراطها على المحافظة على عدم النقصان عن الكُّر من المجموع منها ومن الحياض الصّغار.
فوائـــــد
أحدهــــــــا: لو شك ببلوغ مجموع ماء المادة والحياض الكريّة أو شك في كريّة المادة بناء على أشتراطها فالأظهر أنه إن علم الحالة المتقدمة استصحبها سواء قضت بتطهير أو تنجيس واستصحاب الموضوع حاكم على أصل الطهارة عند الشكّ وأن لم يعلم حالته الأولية فالأظهر الحكم هنا بالكرية عملا بالظاهر المعتضد بأصل الطهارة وبعمل المسلمين لاستعمالهم ذلك من غير سؤال عن المادة واختبار لها من أحد ويكون الحمام ممتازا من غيره بهذه الخصوصية للزوم السؤال في غيره تحكيما لأصالة عدم الكرية حتى في الماء المشكوك به ابتداء الغير المعلوم حاله سابقاً وتحمل الخصوصية في الأخبار على ذلك ولا يتفاوت الحال بين الشك بالكريّة حالة الاتصال بالمادة أو حالة الانقطاع وتنجيس الحوض الصغير للسيرة وعمل المسلمين.
ثانيهــــــا: تثبت الكُريّة عند الشك بشاهدين أو شاهد واحد على الأظهر مع العدالة في الكل وتثبت بقول صاحب الحمام لأنه ذو يد.
ثالثهــــــا: إذا تنجّسَ الحوض الصغير كفى اتصاله بالمادة إذا كانت كرا أو كان مشكوكا بكريتها مع العلم بها سابقا أو مطلقا على الأظهر وعليه عمل المسلمين في جميع الأعصار والأمصار ولو علم بعدم بلوغها الكرية لم تؤثر تطهيرا.
رابعهــــــــا: يكفي في التطهير نفس الاتصال ولا يشترط الممازجة ولا الإلقاء دفعة كما في غير الحمام من المياه عند تطهيرها وتخيل بعضهم أن للحمام هاهنا خصوصية بعدم اشتراط ذلك وليس كذلك.
خامسهــــــا: لا يشترط زيادة المادة على الكُرّ عند اتصالها بالحياض في دفعه النجاسة عند الملاقاة ولا في رفعها للنجاسة بعد حصولها بملاقاة الحوض الصغير لها لعموم طهورية الماء كتاباً وسنة ولصيرورة الجميع ماءً واحداً أو لأن ممازجة المتصل لما اتصل به وهكذا ما اتصل به ممازج للذي بعده وهكذا فاشتراط بعضهم في الرفع زيادة المادة على ما يحصل به الامتزاج مع ماء الحوض الصغير أو زيادتها على ما يحصل به الاتصال معه أو زيادتها بمقدار ما في الساقية وما بعدها إلى أن يتصل بالحوض ضعيف مبني على ضعيف.
بحث في النجاسة ما دون الكر