انوار الفقاهة-ج12-ص14
ثامنهــــا: لو تغير الماء بالمتغير بوصف النجاسة الواقعة فيه فإن صاحب المتغير نفس النجاسة نجسّ المتغير به وإن لم نصاحبه نفس النجاسة احتمل تنجسه به لإطلاق روايات التنجيس بالتغير ولإطلاق كثير من الأصحاب الحكم بنجاسة المُتغيرَّ بالمتغير ولحكمهم بنجاسة البئر المتغيرة بماء البالوعة المتغير بالنجاسة ولحكمهم بتطهير المتغير بإلقاء كُرّ فكرّ عليه دفعة حتى يزول تغيره ولو لا نجاسة التغيرُّ بالمتغير لكفى الكُرّ الأوّل لعدم انفعاله حينئذ وعدم تنجّسه وإن شاعت أجزاؤه في المتغير فيطهّر المتغير الأول بعد زوال تغيرُّه أيضاً لعدم حلول النجاسة فيه وقد لاقاه كُرّ طاهر بعد زوال النجاسة والتغير منه بل وقبل زوال التّغيرُّ أو من البعيد وجود ماء واحد طاهر ونجس في مكان واحد مختلط ولصدق أن الماء قد تغيرُّ بالنجاسة عليه ولأن نجاسة المُتغيرّ بحلول النّجاسة فيه إنما هي بالمُتغيرّ الملاقي للنجاسة لان الجزء الملاقي للنجاسة غير الجزء الذي يليه والذي يليه غير ما يليه وهكذا فيلزم من ذلك تنجس كل متغير بالمتغير وهو المطلق واحتمل عدمه وبقاؤه على الطهارة للأصل والعمومات السالم عن المعارض سوى إطلاقات أدلة انفعال الماء بالتغير وهي ظاهرة بالتّغيرُّ بعين النجاسة لا بالمتنجّس بها وإن كان التغيرُّ لوصفها وكذا إطلاق كلام الفقهاء أيضاً ينزل على ذلك سوى كلام من ذهب إلى أن التغيرُّ بالمتنجّس من جهة وصفهِ اللازم أو العارض له منجس فإنه لا يمكن تنزيله ولكنا لا نقول به وأما حكم الفقهاء بنجاسة البئر بالماء المتغير فالظاهر منه أنه لحلول عين النجاسة فيه كما هو الغالب في البالوعة ومع عدم حلولها فيه لا نقول به وأما حكمهم بتطهير المتغير بإلقاء كر فكر عليه حتى يزول تغيره فهو أما مبني على حالة بقاء عين النجاسة في الماء المتغير أولا أو على أن أجزاء الأول عند شيوعها في الثاني زال حكم الطهورية منها قضاء لحق الإشاعة لا من جهة التغيرّ بالمتغيرّ على أنا يمكن أن نقول ببقاء طهوريّتة وبقاء نجاسة المتغير الأول حتى يزول التغيرُّ عنهما فيطهر الأول ويكون المجموع طاهر ويمكن أن نقول بتطهيره الأول أيضا وأن بقي وصف التغير إذا ارتفعت عين النجاسة منه ولا بأس به لما دل على أن الماء طهور وأما الحكم بصحة إطلاق التغير بالنجاسة عليه فممنوع وكذا الحكم بتنجسّ المُتغيرّ عند حلول النجاسة فيه من جهة تغيره بالمتغير الملاقي فإنه ممنوع وإنما نحكم بتنجيسه من جهة أنه ماء تغير بعين النجاسة الحالة فيه وكل ماء تغير بذلك فهو نجس من غير حاجة إلى معرفة أن هذا التغير كان بنفس تلك النجاسة أو بالمتغير بها.
تاسعهــــــا: لا يشترط في الجاري كرية نفس ولا كرية مادته ولا كريّتهما على الأظهر الأشهر للأخبار الدالة على طهورية الماء مطلقاً والدالة على طهوريته ما لم يتغير والدالة على طهورية الجاري خصوصاً والدالة على طهورية ذي المادة وأنه لا يفسده شيء لأن له مادة والأخبار الدالة على طهورية ماء الحمام لأنه بمنزلة الجاري ولأن له مادة والأخبار النافية للباس عن الماء الجاري يبال فيه وللإجماع المنقول والشهرة المحصلة نعم لو علم انحصار المادة وعدم كونها مما تتجدد بنقصان الماء كان حكم هذا الماء حكم المحقون فإن بلغ هو كرا أو هو ومادته وكان بينهما اتصال عرفي لا كاتصال الرشح والعرق كان طهورا وإلا كان كالماء القليل تنجس بالملاقاة واشترط العلامة كرية الماء الجاري بنفسه أو هو ومادته إذا كان بينهما اتصال عرفي لعموم الأدلة الدالة على انفعال ما لم يبلغ كرا والأدلة الدالة على انفعال الماء القليل بالملاقاة وهو مردود أولا بمنع العموم في أدلة انفعال الماء القليل سوى عموم المفهوم الناشئ من قولهم ((): (إذا كان الماء قدر كر لم يحمل خبثاً) وهو ضعيف لا يقاوم تلك الأدلة على أن في عمومه نظر وتأمل سيما في هذا المقام الظاهر في عدم إرادة العموم لإبتنائه على جواب السؤال عن الماء الكائن في أرض الحجاز وهي في الأغلب غير جارية بل إما مياه غدران أو أواني وشبههما والسؤال وإن لم يخصص الجواب لكنه يوهن عمومه في أمثال هذه المقامات وثانياً أن بين عمومه وعموم أدلة طهارة الماء مطلقاً (عموم مطلق) وشرط التخصيص المقاومة وبينه وبين أدلة الجاري عموم من وجه ويجب الأخذ فيه بالرّاجح عند التّعارض ولا شك أن أدلة الجاري أرجح لاعتضادها بما تقوى به عليه وكذا بينها وبين ما دل على طهورية ذي المادة والمناقشة في الرواية لمعلله لعدم فساد الماء بكونه له مادة بأن التعليل ليس له بل لطيب الماء طعماً وريحاً كالمناقشة في الأخبار النافية لليأس عن البول لا في الماء الجاري بأنه لرفع الكراهة لا لبيان الطهورية ضعيفتان لا يلتفت إليهما.
عاشرهـــــا: لو جرى ماء البئر على وجه الأرض أو جرت الآبار بعضا على بعض كأن كان لها جاذب يجذبها من الأسفل كان من الجاري ولا يلحقها حكم البئر على الأظهر.