انوار الفقاهة-ج10-ص51
الثانية:الشيخ والشيخة إذا لم يقدر على الصوم أصلاً ورأساً يسقط عنهما إجماعاً محصلاً ومنقولاً وكتاباً وسنة وهل يجب عليهما التصدق أم لا يجب قولان أظهرهما عدم الوجوب للأصل ولفتوى الأكثر ولظهور اختصاص ما جاء بوجوب التصدق فيمن شق عليه ولا فيمن لا يقدر وإن ورد في بعضها لم يقدر وبعضها شبه ذلك إلا أنه في غير المعتبر من الأخبار وما كان في المعتبر ففيه نفي الحرج عنهما المشعر بالقدرة على الفعل وفيه الضعف عن الصوم وهو مشعر بالقدرة عليه وغير ذلك ولظاهر الخبر في شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلا ولا يمكنه الركوع والسجود قلت: فالصيام، قال: (إذا كان في ذلك الحد فقد وضع الله تعالى عنه وإن كانت له مقدرة فصدقة مدمن طعام أحب إلي وإن لم يكن له يسار فلاشيء عليه ولظاهر الصحيح في الشيخ وذو العطاش لا حرج عليهما أن يفطر في شهر رمضان ويتصدق كل واحد منهما في كل يوم بمدمن طعام ولا قضاء عليهما فإن لم يقدر فلا شيء عليهما وآخر مثله إلا أن فيه بدل المد مدان وضعف الأول سنداً والأخيرين دلالة مجبور بفتوى المشهور نقلاً بل تحصيلاً وبالإجماع المنقول وهل يجب عليهما القضاء أم لا إذا استطاع بعد ذلك من غير مشقة قولان أيضاً أظهرهما وجوب القضاء ولعموم أدلته ولدخول حالها تحت المرض فيشمله ما دل على وجوب القضاء عن المريض وإطلاق الصحيح المتقدم ونحوه بنفي القضاء محمول على الغالب من استمرارهما على عدم التمكن وإن قدر الشيخ والشيخة على الصوم لكن بمشقة لا تتحمل عادة لضعف أو اختلال في البدن أو ألم أو غير ذلك سقط عنهما فرض الصوم أيضاً إجماعاً محصلاً ومنقولاً كتاباً وسنة وفي مرسل ابن بكير في قوله عز وجل: [ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ]سورة البقرة آية (184 ) ، قال: (الذين يطيقون الصوم فأصابهم كبر أو عطاش أو شبه ذلك فعليهم لكل يوم مد)، وفي المروي فيه أيضاً أنه المرأة تخاف على ولدها والشيخ الكبير، وفي رواية عبد الملك عن الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة التي تضعف عن كل يوم بمد من حنطة وفي صحيح الحلبي عن رجل كبير يضعف عن صوم شهر رمضان فقال: (يتصدق بما يجزي عنه طعام مسكين لكل يوم)، وإطلاق الصحيح المتقدم وغير ذلك ويجوز الصوم لهما لأن سقوطه رخصة لا عزيمة كما هو الظاهر من الأخبار إلا إذا تضرر به فإن صاما فلا شيء عليهما وإن أفطرا وجب عليهما التصدق لفتوى الأصحاب والإجماع المنقول في الباب وظاهر الأخبار والكتاب في قوله تعالى: [ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ] سورة البقرة آية (184 ) ، المقر بأنه الشيخ الكبير الذي لا يستطيع وهل يجب عليهما القضاء أم لا يجب قولان أظهرهما الوجوب لعموم أدلة القضاء وللاحتياط وللتنقيح بينه وبين المريض وإطلاق الصحيح المتقدم بنفي القضاء محمول على الغالب من عدم ارتفاع مشقتهما بعد ذلك والواجب من الصدقة مدمن طعام للأخبار وفتوى المشهور والأصل الحاكم عند الشك فيحمل ما دل عليه الصحيح من إيجاب المدين على الندب جمعاً وفي بعض الأخبار أن الشيخ الكبير الذي لا يقدر على الصوم يصوم عنه بعض ولده أو بعض أقربائه إذا لم يكن له ولد وإلا فيتصدق، ولكنه ضعيف سنداً ولم يعمل بروايته أحد ممن اطلعنا عليه فطرحها أولى وحملها على الندب مشكل لأن صيام الفرض عن الحي بدعة يحتاج إثباتها إلى دليل قوي.
الثالثة:ذو العطاش وهو داء لا يبرأ صاحبه يجب عليه الإفطار إذا حصل له ضرر في الصيام أو حصلت له مشقة لا تتحمل عادة ويجوز له الإفطار والصيام إذا لم يضره الصوم لإطلاق الأخبار بإفطار ذي العطاش من دون تفصيل بين حصول الضرر له وعدمه ولا يبعد القول بأن الأخبار منزلة على الغالب من حصول الضرر بالصوم لصاحب هذا الداء فلو لم يحصل له ضرر لم يجز له الإفطار وتجب عليه الصدقة عن كل يوم بمد للأخبار الدالة وإطلاقها شامل لجميع صور ذو العطاش ويمكن تقييده بصورة ما إذا جاز له الإفطار وجاز له الصيام فأفطر لبعد تعلق الكفارة به عند الإفطار في الصورتين الأوليتين لأنهما كسائر الأمراض لا يوجب كفارة ولكن الأخذ بالإطلاق أولى ويجب عليه القضاء بعد برئه مطلقاً بجميع صوره لعموم أدلة وجوب قضاء ما فات المريض ولا مخصص له سوى الصحيحة المتقدمة النافية للقضاء عن الشيخ والشيخة وذي العطاش وهي محمولة على من استمر به ذلك لأن بين أدلة وجوب القضاء عن المريض وبين الصحيحة عموم من وجه لشمول الأدلة له ولغيره وشمول الصحيحة للاستمرار والانقطاع ويجب تقديم الراجح والراجح هاهنا عموم أدلة القضاء على المريض كتاباً وسنة وشهره وذهب جمع من أصحابنا إلى أن العطاش إن كان مرجو الزوال وجب على صاحبه القضاء عند البرء ولا كفارة للأصل وإن كان مما لا يرجى زواله وجبت الكفارة دون القضاء لنفي القضاء في الصحيحة المتقدمة وقيل إن كان لا يرجى زواله غالباً فزال على غير الغالب سقط القضاء وسقطت الكفارة لوقوع الإفطار عن المأمور به وهو يقضي أن لا يتعقبه شيء والأول أولى، وهل يجب على ذي العطاش عند إفطاره الاقتصار على ما تندفع الضرورة به للاحتياط ولأنه لا يترك الميسور، ولرواية عمار فيمن أصابه عطش حتى يخاف على نفسه، قال: (يشرب ما يمسك به رمقة ولا يشرب حتى يروي أو يجوز له التملي والامتلاء)، مطلقاً للأصل ولإطلاق الأخبار في مقام البيان ولورود الرواية المتقدمة في غير ذي العطاش كما هو ظاهرها فحمله على ما تضمنته قياس.