انوار الفقاهة-ج10-ص34
الرابع:هل يثبت الهلال بشاهدين عدلين أم لا يثبت قولان قيل بالثبوت بهما وهو الأقوى للاستقراء الحاصل من تتبع الموارد المفيد لعموم حجيتها إلا ما أخرجه الدليل وللروايات المستفيضة المشتملة على الصحيح والمعتبر الدالة على قبول شهادة الشاهدين في الهلال ومع ذلك فهي تؤيده بقبول الأكثر بل عليه عامة من تأخر على ما نقله بعض المتأخرين والظاهر عدم التفاوت في وجوب القبول بين الصحو والغيم أو علة أخرى وبين الخارجين عن المصر والداخلين فيه ولا فرق بين شهادتهما عند الحاكم أو لا وقبول الحاكم لها أو عدم شهادتهما عند الحاكم وشهادتهما عنده مع عدم قبولها لعدم معرفته بهما أو لاستبرائه بهما كل ذلك لعموم أدلة حجية الشاهدين ولإطلاق الأخبار هاهنا كقوله في صحيح منصور فإن شهد عندك شاهدان مرضيان بأنهما رأياه فاقضه وفي صحيح الحلبي إن كان الشهر تسعة وعشرين يوماً أقضِ ذلك اليوم، قال: (إلا أن يشهد لك بينه عدول)، نعم ولو حكم الحاكم بفسقهما بطلت شهادتهما وقيل بعدم الثبوت بهما مطلقاً إلا إذا أفاد قولهما العلم لعدم الدليل على عموم حجيتهما وللنهي عن الأخذ بالظن بالهلال وللزوم العلة فيه ولما ورد من لزوم الخمسين إذا لم تكن في السماء علة ومن قبول الاثنين إذا كان في السماء علة أو كانا خارجين عن المصر وذلك لأن الخمسين يفيد العلم خبرهم إذا لم يكن في السماء علة بخلاف الاثنين والثلاثة فإن الاسترابة حاصلة بخبرهم إذ من البعيد رؤية الواحد والاثنين دون غيرهم وكذا الاثنان مع العلة أو كان خارجين من المصر فإن خبرهم والحال تلك يفيد العلم والجميع لا يخلو من ضعف وذلك لأن الأخبار المستفيضة المعتبرة الدالة على حجية خبر العدلين مطلقة وبها يخصص ما دل على المنع من العمل بالتظني أو تنزيلها أجمع على ماذا أفاد خبر العدلين العلم بعيداً كل البعد ولا يلتزمه فقيه نعم لو لم يفد خبرهما الظن أو كان الظن بخلاف خبرهما فلا يبعد سقوط حجية خبرهما وذاك كلام آخر كما أن هذه الأخبار تقوي على ما دل على الخمسين فيرجح العمل بها ويلزم اطراح أخبار الخمسين لضعفها سنداً وقلة العامل بها أو حملها على ما إذا خلا العدد عن العدلين أو على ما إذا حصلت الريبة في أخبارهم أو على بيان إرادة حصول الشياع بالخمسين لمن أراد إثبات الهلال بالشياع وذهب الشيخ في النهاية إلى أنه إن كانت في السماء علة ولم يره جميع أهل البلد ورآه خمسون نفساً وجب الصوم ولا يجب برؤية الواحد والاثنين إلا إذا رآه خارج البلد اثنان وإن لم يكن في السماء علة ورآه خمسون من خارج البلد وجب الصوم ولا يجب في غيرها وفي (ط) إنه إن كانت في السماء علة كفى الشاهدان من خارج البلد أو داخله وإلا فلا بد من الخمسين من خارج البلد أو داخله وذهب الصدوق إلى لزوم الخمسين عدد القسامة إلا إذا كانت في السماء علة أو كانا من خارج البلد فيكفي الاثنان وبمضمون ما أفتى ؟ به الصدوق وهؤلاء المتقدمون رواية إبراهيم ورواية حبيب ففي الأولى: (إذا رآه واحد رآه مائة وإذا رآه مائة رآه ألف)، ولا يجوز في رؤية الهلال إذا لم يكن في السماء علة أقل من خمسين وإذا كانت في السماء علة قبل شهادة رجلين يدخلان ويخرجان من مصر وفي الثانية: (لا تجوز في رؤية الهلال دون الخمسين رجلاً وإنما تجوز شهادة رجلين إذا كان من خارج المصر وكانت في السماء علة فأخبر أنهما رأياه)، وأخبروا عن قوم صاموا للرؤية والظاهر أن مستند الجميع هاتان الروايتان وأجاب عنهما المحقق بأن اشتراط الخمسين لم يوجد في حكم سوى قسامة الدم وبأنه مخالف لعمل المسلمين كافة فكان ساقطاً وأجاب العلامة (() بضعف السند والحمل على عدم عدالة الشهود وحصول التهمة في أخبارهم وأنت خبير بأن الروايتين وإن كان بينهما وبين الأخبار المجوزة لقبول شهادة الشاهدين عموم وخصوص مطلقاً والعموم في جانب تلك إلا أنهما غير مقاومتين لهما ومن شرائط التخصيص المقاومة كي يحصل التعارض فيحصل التخصيص فلابد من حمل الخبرين حينئذٍ على صورة تعارض الشهادتين بين المثبتين والنافين وحصول التهمة للمثبت كما هو ظاهرها إلا أن الجميع سالماً الأبصار والزمان صاحي فالاختصاص موضع تهمة ومع حصول التهمة للشاهدين يرتفع الوثوق بشهادتهما فيها حتى قيل أن ذلك مجمع عليه بالضرورة أو حملها على بيان حكم الشياع من دون ملاحظة البينة ويكون ذكر الخمسين وارداً مورد الغالب من حصول الشياع الموجب للقطع أو الظن الغالب به.
الخامس:هل يثبت الهلال بالشهادة على الشهادة، قيل: نعم، لعموم أدلة حجية البينة ولإطلاق ما دل على قبول الشهادة ولأن الشهادة حق لازم الأداء فيجوز الشهادة عليه كسائر الحقوق وقيل لا وهو الأقوى للأصل واختصاص مورد قبول الشهادة على الشهادة بالأموال وحقوق الآدميين كما نقل عن العلامة (() ذلك وأسنده إلى علمائنا ومع ذلك فيوهن الأخذ بالإطلاق حينئذٍ.
السادس:لا يثبت الهلال مع اختلاف شهادة الشاهدين في صفة الهلال أو مكانه ويثبت مع اختلافهما في زمانه ولو شهد أحدهما برؤية شعبان الاثنين وشهد الآخر برؤية شهر رمضان الأربعاء احتمل القبول لاتفاقهما في المعنى وعدمه لاختلاف شهادتهما بحسب الورود وإن لزم منهما قدراً كلي وهذا أقوى ولو شهدا باللازم من لوازم الهلال كأن قال راو قال أحدهما اليوم يوم صوم أو يوم فطر أشكل الأخذ بشهادتهما من دون استفصال لاختلاف الأداء والمذاهب إلا مع العلم باتفاق المذهب فيجوز الأخذ حينئذٍ.
السابع:هل يكفي حكم الحاكم بالبينة من دون سماعها والتجسس عن عدالتها أو لابد من سماعها والتفحص عنها للمشهور له قولان أقواهما كفاية حكم الحاكم وفاقاً للمشهور بل المتفق عليه على الظاهر للأخبار الدالة على وجوب الرجوع إلى حكم الحاكم وأنه إذا حكم بحكمهم فلم يقبل منه استخف بحكم الله تعالى وأن الراد عليه راد عليهم والراد عليهم راد على الله تعالى وأنه إذا شهد عند الإمام شاهدان أنهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوماً أمر بالإفطار وإذا ثبت لإمام الأصل ثبت لنائبه نحو النيابة ولأن أغلب الناس لا يعرفون معنى عدالة البينة والشهادة فلا يمكن اثباتهم لما يريدون إلا بحكم الحاكم لمعرفته ورفع الحرج وسهولة الشريعة تقضي بذلك ولقوله ((): (في التوقيع ارجعوا إلى رواة أحاديثنا فإنهم حجتي عليكم)، وقيل بالعدم لأصالة عدم الحجية ولخلو الأخبار عن بيان كم الحاكم مع كثرتها واستفاضتها ولقوله ((): (لا أجيز في رؤية الهلال إلا شهادة رجلين عدلين)، وقوله ((): (فإن شهد عندك شاهدان مرضيان)، إلى غير ذلك من الأخبار التي ظاهرها ذلك والكل ضعيف لانقطاع الأصل بما مر ولوجود الحكم في الأخبار كما ذكرناه ولعدم دلالة الرواية في الأولى وعدم حجية مفهوم اللقب في الثانية.