پایگاه تخصصی فقه هنر

انوار الفقاهة-ج8-ص165

بحث:هل يجب تقديم الفائتة على الحاضرة إذا كانت الفائتة من الفرائض الخمس أم لا يجب قيل بعدم الوجوب مطلقاً وهو مشهور بين أصحابنا لكنهم بين من استحب تقديم الحاضرة وبين من استحب تقديم الفائتة وهم كثير وقيل بالوجوب مطلقاً وهم بين مصرح بالوجوب مطلقاً وبين مصرح بالوجوب الشرطي بمعنى أن الشرط في صحة الحاضرة تقديم الفائتة عليها مع العلم مع الوجوب الشرعي الفوري وبين مطلق في الوجوب الشرعي الفوري ساكتاً عن الوجوب الشرطي ويظهر من بعضهم نفي الوجوب الشرطي لكن الأكثر على الأول ويلزمهم وجوب البدار للقضاء وحرمة التأخير وحرمة الأضداد الخاصة بناء على أن الأمر بالشهرة يقضي النهي عن ضده وبطلان الحاضرة لو قدمت مع العلم ووجوب العدول إلى الفائتة لو تلبس بالحاضرة نسياناً ويستثنى من ذلك على مذهبهم ما إذا ضاق الوقت عن تأدية غير الحاضرة فإنه لا كلام في اختصاصه بالحاضرة وأما إذا توقفت ضرورة المعاش والتكسب من أكل وشرب ونوم واستراحة ونفقة وعيال وحقوق زوجية على تأخير الفائتة فإنه لا كلام أيضاً في عدم وجوب البدار وقبل بالتفصيل بين الواحدة والمتعددة فيجب الترتيب في الأولى دون الثانية وقيل بالتفصيل بين فائتة اليوم وفائتة ما قبله فيجب الترتيب في الأولى دون الأخيرتين وقيل بالتفصيل بين الفائتة وبين الفائتة سهواً أو شبهة فيجب الترتيب في الأولى دون الثانية وقيل بالعكس واستند الأولون للأصل المقرر بطرق متعددة بالنسبة لأصالة عدم وجوب الترتيب وشرطيته وأصالة عدم التضييق وأصالة عدم الفورية ولإطلاق أوامر الصلاة حواضر وفوائتاً كتاباً وسنةً مقروناً بأوقاتها وغير مقرون وللزوم العسر والحرج على القول بالمضايقة سيما لمن كانت عليه صلاة كثيرة ومنافاة الشريعة السمحة السهلة المبينة على التخفيف واليسر والسعة لأن من قال بالوجوب الشرطي قال بالوجوب الفوري من دون تفصيل ولإطلاق الأمر بالقضاء والأمر المطلق للطبيعة لا للفور وللإجماع المنقول على المواسعة عن الجعفي الموافق لفتوى المشهور من أصحابنا المتقدمين والمتأخرين وللأخبار الدالة على جواز لمن عليه فريضة فإنها الدليل على التوسعة لأن من قال بها قال بالتوسعة وللأخبار الدالة على جواز الأذان والإقامة لمن عليه فوائت فإنها قاضية وقلما ينفل الإنسان من تعلق القضاء به مع عدم إنكار العلماء ذلك وعدم تفسيقهم له وعدم ذكر ذلك في الخطب والمواعظ مع احتياج الناس إليه وتكرره ما بينهم بل نوى أن من أكثر واستدام على القضاء حتى واصل الأيام وترك التشاغل عنه في جميع أوقاته عد خارجاً عن متوسطي الطاعة وداخلاً في مسلك أهل الوسواس والاحتياطات وللأخبار الخاصة الدالة على ذلك بالخصوص كصحيحة ابن نريع فيمن ترك المغرب والعشاء (فإن استيقظ بعد الفجر فليصل الصبح ثم المغرب ثم العشاء) وكرواية أبي بصير وهي قريبة إليها إلا أن فيها ما لا نقول من امتداد وقت العشاء إلى الفجر ومن وجوب تأخر العشاء إذا خاف طلوع الشمس إلى أن يذهب شعاعها ولصحيحة محمد بن مسلم فيمن فاتته صلاة النهار قال: (إن شاء بعد المغرب وإن شاء بعد العشاء) وكرواية جميل بن دراج فيمن فاتته الأولى والعصر والمغرب وذكر عند العشاء الآخرة قال: (يبدأ بالوقت الذي فيه فإنه لا يأمن الموت) فيكون قد ترك صلاة فريضة في وقت دخل ثم يقضي ما فاته الأول فالأول وكصحيحة علي بن جعفر فيمن نسي المغرب حتى دخل وقت العشاء الآخرة قال: (يصلي العشاء ثم المغرب) وكموثقة عمار فيمن تفوته المغرب حتى تحضر العتمة قال: (فإن يجب أن يبدأ بالمغرب بدأ وإن أحب بدأ بالعتمة ثم صلى المغرب بعدها) وكرواية الحسن بن زياد فيمن نسي المغرب حتى صلى ركعتين من العشاء قال: (فليتم صلاته ثم ليقضِ بعدها المغرب) وهذه الأخبار الأخيرة لا بد من حمل المغرب فيها على غير مغرب تلك الليلة لأنه لو أريد بها مغربها للزم أما عدم وجوب ترتيب الحواضر إن كان الذكر في الوقت المشترك وعدم وجوب العدول من حاضرة لاحقة إلى حاضرة سابقة وهذا لا نقول به وأما عدم مناسبة الأخبار للحكم بالمواسعة وأخذها دليلاً لها إن أريد بالوقت الوقت المختص للعشاء للاتفاق على اختصاصه به ولا معنى للتخيير في موثقة عمار وأما التزام التفرقة بين وقتي العشاءين وجعل كل منهما مختصاً بوقت مضروب بعد وقت المغرب وهذا لا نقول به أيضاً واستند الآخرون وهما أهل المضايقة المحضة القائلون بوجوب المبادرة بالقضاء ووجوب تقديم الفائتة على الحاضرة للإجماعات المنقولة المتكثرة على لسان جماعة المؤيدة بشهرة الفتوى بمضمونها بين قدمائنا وللاحتياط القاضي بالفورية المبادرة ووجوب الترتيب للشك في صحة الحاضرة مع تقديمها وما شك في شرطيته شرط ولما ورد من النهي عن التطوع لمن عليه فريضة في أخبارنا كثيرة عموماً وخصوصاً اللازم للقول والمضايقة ولظهور إرادة الفور من أوامر القضاء أما لأن الأمر للفور مطلقاً وأما لأن المقام الخاص يقضي به من القرائن اللفظية وسياق المقامات الخطابية كقوله (() في صحيحة زرارة: (أربع صلاة يصليهن الرجل في ساعة صلاة فاتتك متى ذكرتها) وصحيحة معاوية بن عمار: (إذا نسيت فصلِ إذا ذكرت) ورواية نعمان الراوي فيمن ذكر ما فات عند طلوع الشمس أو غروبها قال: (فليصلِ حين ذكره) وصحيحة زرارة فيمن صلى بغير طهور أو نسي الصلاة أو قام عنها قال: (يصليها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها ليلاً أو نهاراً) وصحيحة يعقوب بن شعيب فيمن نام عن الغداة حتى تبزغ الشمس قال: (يصلي حين يستيقظ) وصحيحة زرارة وفضيل في الفائتة قال: ( فإن استيقنت فعليك أن تصليها في أي حال كنت) فإن اقتران الأمر في هذه بإلغاء مرة وللفظ خبر أخرى وبلفظ متى ظاهر في إرادة الفورية وإلا للغي هذا الاقتران فيبعد حينئذٍ احتمال إرادة مجرد الوجوب وتعلق الخطاب بالفائتة في جميع الأوقات ولو موسعاً رداً على العامة حيث منعوا من القضاء في بعض أوقات معلومة كطلوع الشمس وغروبها وللآية المفسرة بالأخبار المعتبرة الظاهرة بإرادة فورية القضاء لا مجرد بيان الوجوب والتوقيت كقوله (() في صحيح زرارة (من نسي شيئاً في الصلاة فليصليها إذا ذكرها فإن الله عز وجل يقول: (وَأَقِمْ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي() وفي أخرى له:(إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت آخر فإن كنت تعلم أنك إذا صليت التي فاتتك كنت من الأخرى في وقت فابدأ بالتي فاتتك فإن الله تعالى يقول: ( وَأَقِمْ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي() وللأخبار الخاصة المصرحة بالأمر بتقديم الفائتة والعدول إليها إذا ذكرها كصحيحة زرارة الطويلة الجامعة للأمر بتقديم الفائتة المتعددة أو المتحدة والأمر بالعدول من اللاحقة إلى السابقة والذاكر لجميع فوائت اليوم والليلة إلا ان فيها الأمر بالعدول ولو بعد تمام الفريضة ولا نقول به وفي أخراها النهي عن قضاء المغرب والعشاء بعد شعاع الشمس وهو لا نقول به أيضاً وكذلك صحيحته الأخرى فيها فإذا دخل وقت صلاة ولم يتم ما قد فاته فليقضِ ما لم يتخوف إن يذهب وقت هذه الصلاة التي حضرت وظاهرها أن المراد بالوقت وقت الإجزاء لا الفضيلة لانصراف لفظ الوقت إليه وكذا رواية عبد الرحمن وفيها الأمر بالبدء بما نسي من صلاته وكذا الصحيح لصفوان فيمن نسي الظهر حتى غربت الشمس قال:(كان أبي يقول إن أمكنه أن قبل أن تفوته المغرب بدأ بها وإلا صلى المغرب ثم صلاها) وظاهر الفوت في الوقت الإجزاء لا الفضيلي وكذا رواية أبي بصير وفيها:(وكذا الصلاة تبدأ بالتي نسب إلا أن يخاف أن يخرج وقت الصلاة فتبدأ بالتي أنت في وقتها) وكذا ورد رواية معمر بن يحيى فيمن صلى إلى غير القبلة ثم تبين له وقد دخل وقت صلاة أخرى قال:(يعيدها قبل أن يصلي هذه التي قد دخل وقتها) وكذا رواية قرب الإسناد فيمن نسي العشاء وذكر بعد طلوع الفجر قال:(يصلي العشاء ثم الفجر) وسألته عن رجل نسي الفجر حتى حضرت الظهر قال:( يبدأ بالفجر ثم يصلي الظهر) وكذا النبوي:(لا صلاة لمن عليه صلاة) وفي آخر:( من فاتته صلاة فوقتها حين يذكرها) وفي آخر:(من نام عن صلاة أو نسيها فليقضها إذا ذكرها فذلك وقتها) وفي الجميع نظر ظاهر أما الأخبار فهي موافقة لفتوى العامة ويشتمل بعضها على ما تقول العامة لا ما نقول نحن وفي كثير منها يظهر منه إرادة الوقت الفضيلي لا الإجزائي والأخبار الدالة على الفور منافية لسهولة الشريعة السمحة وموافقة للعسر والحرج النافي لهما العقل والشرع فالأقرب فيها الحمل على الاستحباب لعدم منافاته السهولة واليسر أو الحمل على بيان أصل الوجوب وثبوته وبيان جواز الفعل في كل وقت وأما الإجماعات المنقولة فمما يوهن الظن بها كثرة المخالف وقوة المعارض وقلة الاعتماد على كثير من إجماعاتهم في مثل هذه المقامات سيما مع معارضتها بإجماع الجعفي على المواسعة وأما الأخبار المعتبرة للآية الشريفة فأولهما لا يدل على التوقيت بساعة الذكر ولا الفورية والثاني منهما وإن دل على ذلك بحسب الظاهر في الجملة لكنه يجب حمله على بيان أصل التوقيت كقوله تعالى: ( أَقِمْ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ( جمعاً بينه وبين كلام المفسرين الذين يعتمد عليهم في بيان تفسير الألفاظ أو على بيان أصل الوجوب وتكون اللام للتعليل لا للتوقيت كما هو الظاهر من معناها ويكون المعنى لأجل ذكرى فيها أو لأجل لها أو لأجل لك أو لذكرى خاصة غير مشوبة بالرياء أو لغير ذلك ويكون علة الوجوب الحاضرة والفائتة وأما الأخبار النبوية فهي ضعيفة أولاً وتحمل أولها على المبالغة في طلب الفضيلة وأخيرها على بيان أصل التوقيت لا تحديد وتضييقه وأما الأخبار الناهية عن التطوع في وقت فريضة فالاستدلال بها موقوف على الأخذ بها ولنا في الأخذ بها كلام وخصام وأدلة أهل المواسعة وإن كانت في نفسها أضعف من أدلة أهل المضايقة لأكثرية أخبار أهل المضايقة عدداً وأصحتها سنداً وقوتها اعتماداً لكثرة رواية زرارة فيها عن الباقر (() وهي أقوى من غيرها وأقلها لاشتمال على ما لا نقول به نحن من نوم النبي (() الذي هو في درجات الكمال الذي لا تنام عيناه ولا ينام قلبه ومن حرمة القضاء في بعض أوقات وشبهها وكذا أكثرية إجماعاتها المنقولة وكذا شهرة الفتوى فيها بين القدماء لكنها تقوى على أدلة المضايقة بالمرجحات الخارجية من الموافقة لعمومات الكتاب والسنة وأدلة اليسر والتخفيف والبعد عن العامة وطريقة الفقهاء والمقلدين بحيث يحصل منها سيرة تفيد القطع بجواز التراخي والتأني في القضاء وإن كان لا يخلو من ظهور عدم المضايقة إلى ذلك الحد وأيضاً ما دل على فورية القضاء وإن كان لا يخلو من ظهور لكن ظهوره معارض باستقراء خطابات الشارع في جميع الواجبات المشروطة الواقعية أو الموقتة الموسعة وغير الموسعة فإن كلها أو جلها واردة في الكتاب والسنة على نمط هذه الخطابات أما مقرونة بالفاء أو بالحين مع اقتران شرطها بمتى وإذا وشبههما فحينئذ يضعف الظن بإرادة الفورية فيها حداً ولو أمكن القول بالمواسعة وعدم الفورية ومع ذلك يقال بالوجوب الشرطي الترتيبي بين الفائتة والحاضرة ومن جهة الروايات المتقدمة المؤيدة بالشهرة والإجماع المنقول والاحتياط المفرغ للذمة لكان القول به متجهاً لكنه لا يمكن من جهة شبهة الإجماع المركب والقول بعدم الفصل بين وجوب الترتيب ووجوب البدار كما يظهر من محققي المتأخرين ومن عبائر القدماء فالأقرب لظن الفقيه حمل روايات المضايقة على الاستحباب لشيوع استعماله في كلام الأئمة الأطياب (() جمعاً بين الدليلين وعملاً بالأخبار من الجانبين وأما ما استند إليه المفصلون بين الواحدة والمتعددة من الجمع بين صحيحة صفوان الدالة على تقديم الواحدة وبين صحيحة ابن سنان الدالة على قاض المتعددة وصحيحة بن مسلم الدالة على جواز قضاء صلاة النهار قبل المغرب وبعدها وصحيحة ابن سنان الدالة على صلاة رسول الله (() ركعتين نافلة قبل صلاة الفجر فيه نظر أولاً من جهة أن صحيحة صفوان فيها الأمر بتقديمها على المغرب وليس فيها تعرض للعشاء وثانياً أن صحيحة صفوان وابن سنان ليس فيهما تعرض للواحدة والمتعددة وإنما اتفق وقوع ذلك في الجواب والبيان فلا يصلحان لتخصيص عموم أدلة المضايقة المواسعة كمحكمة في الجانبين وثالثاً أن صحيحة ابن مسلم ظاهرة في النوافل وصحيحة ابن سنان الأخيرة موافقة للعامة لا نقول بها وأيضاً تنافي مذهبه من المضايقة في الواحدة لأن الفائتة في الرواية واحدة إلا أن يريد وجوب الترتيب في الواحدة فقط لا الفورية واستثناء المفصلون بين فائتة اليوم الذي أعم من اليوم والليلة بقرينة استدلاله وبين غيرها برواية زرارة الطويلة وفيه نظر لأن آخرهما مما يوجب الترتيب بين الأيام المتغايرة أيضاً فلا تصلح أن تكون شاهداً على التفصيل ولا تصلح أن تكون مخصصة لعموم دليل المواسعة والمضايقة معاً وغير هذين التفصيلين عاد عن المستند فلا يليق البحث عنه.