انوار الفقاهة-ج8-ص116
الأول:إن ماهية التسليم هي واجبة أم لا بعد الاتفاق على رجحانها والحق وجوبها لتوقف العلم ببراءة الذمة من التكليف الواجب عند الشك المعتبر على الإتيان بها فيجب الإتيان بها من باب المقدمة وللإحتياط ولمداومة النبي (() والأئمة (() على فعله وملاذتهم عليه في مقام البيان وغيره والأصل فيما فعلوه في الصلاة الوجوب إلا ما قام الدليل على خلافه لقوله (() (صلوا كما رأيتموني أصلي) فيجب التأسي بهم هنا وإن لم يجب التأسي فيما لم يعلم وجهه مطلقاً وللأخبار المتكثرة المستفيضة المشهورة نقلاً وفتوىً وعملاً حتى إن من لا يعمل بخبر الواحد تمسك بها كالمريض الدالة على أن تحليلها التسليم المفيدة لخبر العدل لحصر التحليل الواجب فيه لعموم المبتدأ وخصوص الخبر لأن الأول مصدر مضاف وهو يفيد العموم والثاني معرف بلام الجنس أو العهد فإذا وقع الخاص خبراً عن العام أفاد الحصر قطعاً لعدم جواز الأخبار بالحصر ووجوب مساواة الخبر للمبتدأ أو كونه أعم والتحليل واجب قطعاً لأن بقاء تحريمها أما لبقاء أجزائها الواجبة بدونه فيثبت المطلوب وأما لبقاء حرمتها وحكمها قبل التسليم فلا يجوز فعل المنافي قبله ورفعه واجب فيجب التحليل حينئذ ولو من باب المقدمة ولو حصل الفراغ منها والتحلل عند الفراغ من التشهد لزم تحصيل الحاصل حينئذٍ ولا معنى له وما ذكره بعضهم من حمل التحليل على الاستحباب فيكون المراد منه طلب البقاء على التحريم على سبيل تجعيل الفضيلة والكمال بعيد كل البعد كما أن حصول التحلي بالمنافيات لا يشمله لفظ التحليل المصحح للصلاة لا المفسد لها والقاضي بابطالها وللأخبار المتكثرة الآمرة بالتسليم والأمر للوجوب ما لم يصرفه صارف كقوله (() في صحيح زرارة في قضاء الفوائت ثم سلم بعد ذلك قال: (فإنوها المغرب وسلم) وورد في الشك في عدة أخبار أنه يبني على الأربع ويسلم وورد أنه يأتي بركعتين من جلوس ويسلم وورد أنه يصلي ركعة من قيام ويسلم وللأخبار المتكثرة الدالة على سبق السلام على السجدة المنسية والتشهد مع أنهما من الصلاة فلا يتقدم عليهما ما ليس يجزي واجب حتى أنه ورد في بعض الروايات أنه لا يسجد حتى يسلم فإذا سلم سجد وهو ظاهر في التحريم ولما ورد في حديث المعراج أمر النبي (() بعد الصلاة عليه الأمر بالسلام قال: (قلت السلام عليكم) ولما ورد في معتبر أبي بصير إن آخر الصلاة التسليم فإن الآخر داخل في الشيء قطعاً وليس الآخر كمدخول إلى كي يقع الخلاف في دخوله وخروجه والظاهر أيضاً من الآخر أنه آخر أجزائه الداخلة الواجبة لا مستحباته العارضة بقرينة قوله فيما قبل ذلك (فليتم صلاته) والتمام مقابل للنقصان الذاتي كما هو ظاهر ولما ورد في الموثق عن التسليم ما هو فقال:(أذن) فأن الظاهر منه الرخصة بعد المنع ولو كانت حاصلة عند الفراغ من التشهد لزم تحصيل الحاصل ولما ورد من وجوب إعادة من صلى أربعاً وإن تشهد بينهما لو كان مسافراً غير جاهل وإطلاق الرواية يشمل ما لو نوى التمام أولاً أو لم ينوه ولما ورد من الأخبار الدالة على انحصار إلا فطرف من الصلاة بالسلام علينا فإنه يفهم منها عدم جوازه قبلهما ولما ورد من لزوم التسليم بين الركعتين الشفع ومفردة الوتر ولما ورد إن الشك في صلاة الصبح مبطله وظاهرها شمولها للتشهد وغيره ما لم يسلم ولو كان التشهد فراغاً لما كان الشك مبطلاً للاتفاق على عدم ابطال الشك بعد الفراغ ولقوله (():(وسلموا تسليماً) ولا يجب في غير الصلاة إجماعاً ولما ورد في السؤال عن العلة التي لأجلها وجب التسليم في الصلاة فإنه يفهم من السؤال أن لوجوب كان موكول في الأذهان لايحتاج إلى البيان وقيل باستحباب التس ليم استناداً للأصل وهو مقطوع بما تقدم ولصحيح ابن مسلم عن الصادق (() حيث قال بعد ذكر الشهادتين (ثم ينصرف) وهو مردود ولظهور سياق الرواية في بيان التشهد وكيفيته لاغير ولهذا ترك فيه لفظ الصلاة على محمد (() فالمراد بالانصراف هو الإتيان بما بعد التشهد أو المراد خصوص التسليم لما ورد في الصحيح من الأخبار من إطلاق الانصراف على خصوص السلام علينا كقوله (() في صحيح الحلبي: (فإن قلت السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فهو الانصراف) ويؤيد هذا أيضاً بناء على ذلك يبقى الأمر بالانصراف على وجوبه وبناء على حصول الانصراف بالتشهد يلزم أما تحصيل الحاصل إن أريد به الفراغ من الصلاة أو خروج صيغة أفعل عن الوجوب إن أريد به فعل المنافي على الحمل على قولهم توهم الحصر فيكون للإباحة وهو بعيد ولصحيح علي بن جعفر عمن يعرض له البول أو يطيل الامام التشهد قال يتشهد هو وينصرف ويدع الامام وهو مردود بظهور إرادة ما يشمل التسليم من إطلاق التشهد كما هو المعروف استعمالاً وبوجود (يسلم هو وينصرف) في نسخة الفقيه ونسخة أخرى من “التهذيب” وهو أحوط سيما مع موافقة “التهذيب” له في مكان آخر وبمناسبة التسليم للمقام حيث أن الإمام قد أطال التشهد ومن البعيد عدم تشهده معه بقدر الواجب لأن الواجب مقدم على المستحبات الخارجة في التشهد غالباً وبورود أخبار أخر دالة على مضمون ما دلت عليه نسخة الفقيه فيضعف الظن حينئذ بنسخة التهذيب المذكورة ولصحيح الفضيل وزرارة ومحمد بن مسلم عن الباقر (() قال: (إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته فإن كان مستعجلاً في أمر يخاف أن يفوته فسلم وانصرف أجزاه) وهو مردود بحمله على مجاز المشارفة على مضي الصلاة بقرينة ترك الصلاة على النبي (() وبقرينة ذكر الأجزاء في آخر الرواية حيث أن ظاهرها أجزاء الواجب وللأخبار المعتبرة الدالة على عدم ضرر المنافي قبل التسليم كقوله (() في الصحيح رجل يصلي ثم يجلس فيحدث قبل أن يسلم قال: (تمت صلاته) وفي آخر فتشهد ثم ينام قبل أن يسلم قال (تمت صلاته)وفي حسنة الحلبي: (إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشاً وإن كنت قد تشهدت فلا تعد) إلى غير ذلك من الأخبار بهذا المعنى وهو مردود بحمل الأوليين على خصوص التسليم بالسلام عليكم كما هو المعروف من إطلاق السلام في الأخبار فإن الحدث قبلها لمن سلم بالسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين لا بأس به كما سيجيء إن شاء الله تعالى وظاهر أن المصلي لا يترك صيغة السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين كما هو المعهود وبإن التشهد روايةً ما يعم صيغة السلام مطلقاً لا خصوص صيغة السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين كما هو المعروف لعدها منه كما تشعر به كلمات الأصحاب ومع إرادة ذلك فلا يضر حصول الحدث الانصراف بها على الأقوى كما سيجيء إن شاء الله تعالى وبأن الروايات لا دليل فيها على الاستحباب بل غاية ما تدل على خروج التسليم من الصلاة قبله فيحتمل أنه من الواجبات الخارجة مضافاً إلى أن عدم ناقضية الحدث للصلاة قبله لازم أعم للاستحباب فلا تدل عليه لاحتمال ورود هذه الروايات مورد ما جاء من عدم ناقضية الحدث للصلاة ووجوب البناء على ما فات فإما أن نقول به أو نحمله على التقية ولصحيح زرارة عن رجل صلى خمساً قال: (إن كان جلس في الرابعة قدر التشهد فقد تمت صلاته) وهو مردود بأن هذه الرواية لا تلائم كلا المذهبين لاشتمالها على الاكتفاء بالجلوس قدر التشهد دون التشهد نفسه فأما أن نقول بمضمونها تخصيصاً لما دل على وجوب التشهد والتسليم وجزئيتهما أو لا نقول بها ونطرحها وعلى أي تقدير فيشترك في حكمها كلا المذهبين على أن إطلاق التشهد على ما يشمل التسليم شائع كثير لا ينكره أحد.