انوار الفقاهة-ج2-ص152
سابع عشرها: لا يجوز بيع المسلم قبل حلول أجله حالاً ومؤجلاً على من هو عليه أو على غيره للإجماع المنقول والشهرة المحصلة لا لعدم ملكية المشتري له لأن الأجل تحديد للأداء دون الملك كما هو الظاهر من الأخبار في مثل هذه المحال ولأن العقد مما لا يتأخر أثره في غير ما دل عليه الدليل ولأن الميت إذا مات يحل ما عليه لا يملك بموته ولأن المسلم إذا مات ورث ورثته المال واحتسب تركته فيجري عليه ما يجري على سائر الأملاك فبطل احتمال عدم الملكية ولا لعدم القدرة على التسليم لمنعه إذا بيع على من هو عليه لأن ما في ذمته مقبوض له ولأنه له مقدور له تسليمه بعد الأجل كالمال الغائب إذا قدر على تسليمه بعد حضوره وذلك كاف في صحة البيع وارتفاع السفه ولأنه مقدور له تحصيله من الغريم بإحدى الوسائل وما كان مقدوراً بالواسطة كما كان مقدوراً بالذات ويكفي في القدرة على التسليم ذلك وعلى ما ذكرنا فالحكم خاص بالبيع دون غيره من المعاوضات ويجوز بيع السلم بعد حلوله وقبضه للأصل والإجماع والأخبار وهل يجوز بيعه قبل قبضه مطلقاً الأشهر والأظهر ذلك ما لم يجيئه مانع من ربا أو نحوه للأصل والعمومات والصحاح المستفيضة وغيرها ومواردها وإن اختصت بالبيع على من هو عليه إلا أنه قد نقل عدم الخلاف بنفي الفرق بينه وبين غيره ممن هو عليه ويدل على الجواز أيضاً ما دل من الأخبار على جواز بيع ما لم يقبض بقول مطلق من غير فرق بين مال السلم وغيره وبين كونه على من هو عليه أو على غيره وبين الطعام وغيره وبين المكيل والموزون وغيره وبين التولية وغيرها وإن كان الأحوط تركه إذا كان مكيلاً أو موزوناً وكان البيع غير تولية للأخبار الناهية عن ذلك الشاملة للسلم وغيره ومن البعيد افتراق حكم السلم عن حكم تلك المسألة في الجواز فيه والمنع فيها لكونه أولى بالمنع منها ومن الأخبار الدالة على الجواز مرسلة أبا عثمان في الرجل يسلف الدراهم في الطعام إلى أجل فيحل الأجل فيقول ليس عندي طعام وخذ من ثمنه قال: (لا بأس بذلك) وفي الخبر في الرجل أسلفه الطعام فيجيء الوقت وليس عندي طعام أعطيه بقيمته دراهم قال: (نعم) وفي ثالث عن رجل أسلف رجلاً دراهم بحنطة قال إذا حضر الأجل ولم يكن عنده طعاماً ووجد عنده دواباً ورقيقاً ومتاعاً يحل له أن يأخذ من عروضه تلك الطعام قال: (نعم) وفي رابع رجل له على رجل تمراً أو حنطة أو شعيراً فلما تقاضاه قال خذ بمالك عندي دراهم أيجوز ذلك أم لا فكتب (يجوز عن تراض منهما) وإطلاقها شامل للبيع وغيره بمعونة فهم المشهور وفتواهم وإجماعاتهم المنقولة وإلا فقد يمنع إرادة البيع من تلك الأخبار وتحمل على الوفاء كما هو الظاهر منها في أمثال هذه المقامات كالدفع إلى الغريم وشبهه أو تحمل على الصلح وإن كان بعيداً لأن الظاهر في معاوضة الأعيان هو البيع حتى يقوم دليل على الخلاف وهذه الأخبار وإن اختصت بموارد خاصة إلا أنه بضميمة نقل الاتفاق على عدم الفصل يتم المطلوب وبذلك يظهر ضعف ما نسب للشيخ (() من منع السلم بدراهم إذا كان الثمن الأول دراهم للخبر عن الرجل له على آخر تمر أو شعير أو حنطة يأخذ بقيمته دراهم قال: (إذا قومه دراهم فسد لأن الأصل الذي اشترى دراهم فلا يصلح دراهم بدراهم) لضعف الخبر عن مقاومة ما قدمنا وأما ما ذهب إليه الشيخ (() من منع بيع المسلم قبل قبضه مع التفاوت إذا كان الثمن من جنس ما أسلمه سواء كان على من هو عليه أو على غيره وتبعه على ذلك جمع من الأصحاب ونقل عليه الإجماع واختاره جمع من المتأخرين استناداً لجملة من الأخبار كالصحيح فيمن أعطى رجلاً ورقاً بوصيف إلى أجل مسمى فقال له صاحبه لا أجد لك وصيفاً خذ قيمة وصيفك اليوم مني ورقاً قال: ( لا يأخذ إلا وصيفه أو ورقه الذي أعطاه أول مرة لا يزداد عليه شيء) وفي أخر (لا بأس بالسلم في الحيوان إذا سميت الذي تسلم فيه وصفته فإن وفيته وإلا فأنت أحق بدراهمك) وفي ثالث (من اشترى طعاماً أو علفاً إلى أجل فلم يجد صاحبه وليس شرطه إلا الورق فان قال خذ مني بقدر اليوم ورقاً فلا يأخذ إلا شرطه وطعامه أو علفه فإن لم يجد شرطه فلا يأخذ إلا رأس المال لا تظلمون ولا تظلمون) وفي رابع فيمن يسلم في الغنم قال: (لا بأس إن لم يقدر الذي عليه الغنم على جميع ما عليه أن يأخذ صاحب الغنم نصفها أو ثلثها أو ثلثيها ويأخذ رأس مال ما بقي من الغنم دراهم) وفي خامس فيمن يسلف في التمر والحنطة بمائة درهم فيأتي صاحبه حين يحل الذي له فيقول والله ما عندي إلا نصف الذي لك فخذ مني إن شئت بنصف الذي لك حنطة وبنصفه ورقاً قال: (لا بأس إذا أخذ منه الورق كما أعطاه فهو وإن كان بحسب الدليل إلا أن دليله لا يقوى على معارضة القواعد والعمومات وإطلاق الأخبار المتقدمة المنجبرة بما ذكرنا وبفتوى المشهور نقلاً بل تحصيلاً فليحمل على الكراهة أو على صورة ما إذا لم يجد المسلم إليه المبيع وقت الحلول فيفسخ حينئذٍ فلا يكون له إلا رأس ماله لأن أخذ الزيادة عليه حرام لعدم مشروعية أخذها من دون سبب ناقل على أنه لا يخلو من شبهة الربا وأما الأخبار الدالة على عدم جواز الشراء بالدراهم المرسلة إلا أن يكون معه آخر كالخبر فيمن أسلف دراهم بطعام فلما حل الطعام بعث إليه بدراهم فقال اشتر لنفسك طعاماً فاستوف حقك فقال: (أرى أن يولي ذلك غيرك وتقوم معه حتى تقبض الذي لك ولا تتولى أنت شراءه) والآخر نحوه وفيه يكون معه غيره المحمولة على الندب والإرشاد إلى التنزه عن التهمة إذ لا قائل بما دل عليه ظاهرهما وهل يكره بيع السلم قبل قبضه إن كان مكيلاً أو موزوناً لفتوى جملة من فقهائنا ولاتخاذ هذه المسألة مع مسألة البيع قبل قبض المبيع أو لا يكره لعدم الدليل على الكراهة ولاختلاف المسألتين لكثرة الأخبار بالجواز هنا دونها هناك أو يكره إذا بيع على غير من هو عليه عملاً بتلك الأخبار في باب القبض ولا يكره إذا بيع على من هو عليه للأخبار المجوزة لذلك هاهنا من دون معارض إذ هي مع كثرتها مخصوصة بالبيع على من هو عليه وجوه أقواها الأخير.
ثامن عشرها: ما ذكرناه من جواز بيع المسلم بعد حلول أجله مطلقاً يسري لكل دين مؤجل قد حل أجله سواء في ذلك بيعه على من هو عليه أو على غيره خلافاً لابن إدريس حيث منع من بيعه على غير من هو عليه ناقلاً عليه الإجماع وهو ضعيف عن معارضة الأصل والعمومات والشهرة المحكية بل المحصلة وأما بيع الدين قبل حلول أجله فقيل بالجواز فيه للأصل من دون معارض سوى احتمال إلحاقه بمال المسلم المجمع على منعه وهو قياس ممنوع لاختصاص مورد الإجماع به وقيل بالمنع وكأنه استناداً لشبهة عدم الملك قبل حلول الأجل وشبهة عدم القدرة على التسليم وقد مر الجواب عنهما بمنع تأخر الملك عن سببه شرعاً وإن الأجل تأخير للأداء ويمنع عدم القدرة على التسليم شرعاً وعرفاً ونزيد هنا أن تأخر الملك لا يجري في الدين المحقق من قرض أو غرامة ونحوهما إذا وقع تأجيلها بعقد لازم ضرورة تقدم الملك على الأجل فلا يزول فالقول بالجواز أقوى والاحتياط لا يخفى.
تاسع عشرها: لا شك في جواز بيع السلم قبل قبضه بناءاً على القول به بعين حاضرة مشخصة وبكل حال غير مؤجل لم تشغل به الذمة سابقاً وهل يجوز بيعه بكلي مؤجل لم تشغل به الذمة للأصل والعمومات أو لا يجوز كما هو الأقوى لأنه دين عرفاً بعلاقة الأول فهو مجاز مشهور أو حقيقة عرفية وهذا بخلاف الحال فإنه لا يسمى ديناً وإن كان ما دام في الذمة بعد وقوع العقد يسمى ديناً ولكن لا يسمى ديناً قبله ولما كان مال المسلم ديناً قطعاً دخل بيعه بالكلي المؤجل تحت بيع الدين بالدين الممنوع منه فتوى ورواية ودعوى أن مال السلم بعد الحلول لا يدخل في الدين لأن الدين ما كان مؤجلاً ممنوع لمنع دخول الأجل في مصداق الدين أو لا وبتسليمه وكفاية الأجل السابق فيه ولا يحتاج إلى استمرار الأجل في صدق الاسم ثانياً وعلى ما ذكرنا فلا يجوز بيعه بدين آخر للشمتري في ذمة أخرى وفي ذمته مؤجلاً كان الدين أو حالاً حل أجله بعد تأجيله كل ذلك لمكان النهي عن بيع الدين بالدين وهو مشتهر معتبر منجبر شامل للمؤجل والحال لصدق لفظ الدين بعد شغل الذمة بالمال عليه عرفاً.