انوار الفقاهة-ج2-ص18
ثالثها:مما يشترط في العوضين أيضاً القدرة عقلاً وعرفاً وعادة على تسليمها من المتعاقدين بأنفسهما أو بوكيلهما ببذل مال أو بدونه حين العقد أو بعده بزمن غير متراضي أو متراضي في وجه أو تسليمهما منهما كذلك ويكتفي به عن القدرة على التسليم للزوم السفه والعبث والغرر بدونهما ولمنافاته لحكمه شرع عقود المعاوضة وإن لم يناف العقود المجانية وللإجماعات المنقولة بل المحصلة وللأخبار الناهية عن بيع ما ليس عنده أو ما ليس له وجود وغير ذلك بل ربما يظهر من جملة من الفتاوى والإجماعات المنقولة اشتراط خصوص القدرة على التسليم وعدم كفاية القدرة على التسليم عنه إلا أن تعليلهم ولزوم الاقتصار على اليقين من دليل المنع بعد شمول أدلة العقود عموماً وخصوصاً كلها تقضي بعدم الخصوصية باشتراط عدم القدرة على التسليم تعبداً بل لكونه مانعاً من تسلمه والانتفاع به فإذا أمكن تسلمه جازت المعارضة عليه والقدرة على البعض دون البعض في العقد الواحد تصححه في المقدور وتبطله في غيره ويتسلط المنقول إليه على الخيار مع الجهل والقدرة في الزمن المتراضي تسلط على الخيار و لا تقضي بالبطلان على الأظهر وعدم القدرة على تسليم المبيع قبل قبضه بعد أن كان قادراً وقت العقد تسلط على الخيار لحديث نفي الضرار ولا تقضي بالانفساخ على الأظهر والقدرة بالواسطة من شفيع أو بذل مال أو توسط حاكم كالقدرة بالأصالة والقدرة في مكان دون مكان أو حال دون حال كالقدرة المطلقة إلا إذا كان المكان مشروط فيه التسليم فلم يقدر أن يسلم فيه وقدر في غيره ففي بطلان العقد أو التسلط على الخيار وجهان ولو أنعكس صح ولا خيار وهو شرط واقعي فلو زعم القدرة فتبين خلافها فسد وإن زعم عدمها فإن وقع العقد فبان حصولها صح على الأظهر ولو قدر بطريق محرم خاصة فالظاهر دخوله تحت عدم القدرة سيما فيما لو لم يقدر سوى المشتري على تسلمه بطريق محرم ولو توقفت القدرة على انقلاب غير المقدور إلى نوع آخر كان من غير المقدور ومن غير المقدور الطائر المملوك في الهواء إنا لم يرج عوده ومع الرجاء عادة من المقدور وكذا لو كان في مكان لا يصطاد فيه عادة أما لو كان في الهواء أو في مكان يصطاد فيه عادة فهو من المقدور على الأظهر وكذا لا يصح بيع السمك وهو في الماء بحيث لا يمكن صيده عادة لعدم محصوريته أو لعدم صفاء الماء أو لعد انحصار الماء ولا بيع الآبق وهو الذاهب عن مولاه عصياناً من غير خوف أوكد عمل ولا الشارد من خوف أوكد عمل ولا الضائع والضال إذا لم يرجَ عودها ولا يرجى تحصيلها عادة إلا الآبق فالظاهر المنع فيه وإن كان عودة وتحصيله مرجو الإطلاق الأخبار وفتاوى الأصحاب في المنع من بيعه مطلقاً مع احتمال تنزيلها على الغالب وهو ما لا يرجى عوده وتحصيله كما يظهر من جملة أخرى منهم وفي جميع ما قدمناه لو قدر المشتري على التسلم جاز كما أمن به جمله من الأصحاب ونقل عليه ظاهر الإجماع في الآبق وتنقيح المناط يسري الحكم لغيره على أنه مع القدرة على التسلم يشك في شمول دليل المنع فتشمله أدلة الجواز من غير معارض ولا تصح بيع غير المقدور على تسليمه بالضميمة لإطلاق دليل المنع سواء كانت مما تقابل بمال أو لا وسواء كان المقصود إليه أو إليها أو إليهما معاً ويظهر من بعضهم أنه لو كان القصد إلى الضميمة وكان قصده تبعاً صح بيعه لأنه المتيقن من دليل المنع ولإشعار ما جاء في الآبق به وهو جيد هذا كله في غير الآبق وما شابهه من الضال والشارد والذاهب ونحوها وأما فيها فإما الآبق فلا أشكال في عدم جواز بيعه منفرداً وظاهر النص والفتوى أنه ممنوع ولو كان مقدوراً على تسليمه وإن له خصوصية في المقام ولا إشكال أيضاً في جواز بيعه مع الضميمة للنصوص والفتوى سواء تعذر تسليمه وتسلمه أم لا وسواء كانت ديناً أو عيناً وسواء كانت الضميمة هي المقصودة أو لا وبالذات أو الآبق أو هما معاً لإطلاق الدليل نعم يشترط في الضميمة كونها مما تصلح للمعاوضة بانفرادها كما يظهر من الفتوى والنص المعلل للصحة بأنه إن لم يقدر على العبد كان الثمن في مقابله الضميمة والآخر الناص على شراء ثوب أو متاع الظاهرين في الشمول وكونها انضمام شطور وإجزاء للمبيع لا إنضمام شروط كما هو الظاهر من النص وكونها غير آبق آخر أو غير مقدور على تسليم أو منفعة آبق آخر ولا يشترط وحدة الآبق المبيع ولا كون الضميمة عيناً بل لو كانت منفعة أو حقاً جاز ويؤدي ذلك بصيغة الصلح لعدم جواز جريان البيع على المنفعة وفي إلحاق ضم المنفعة بصيغة الإجارة مع صيغة بيع الآبق إذا كان ثمنهما وقبولهما متحدين وجه ولا يشترط كونه بصيغة البيع بناء على أن القدرة على التسليم شرط في جميع المعاوضات وإن الأباق مانع في جميعها فيصح الصلح عليه والهبة المعوضة مع الضميمة ولا يشترط اتحاد مالك الضميمة والآبق لإطلاق الدليل ولا يشترط قدرة المشتري عليه بعد ذلك بل لو تلف قبل قبضه كان الثمن في مقابلة الضميمة ولم ينفسخ البيع لبناء المعاملة على ذلك كما يظهر من النص والفتوى وهذا مما يستثنى من تلف المبيع قبل قبضه وقد يشكل ذلك فيما إذا كانت الضميمة لمالك أو لآبق لآخر فتلف الآبق فإن في صيرورة الثمن بأزاء الضميمة كلام هذا إن كان عالماً وإن كان جاهلاً فله الخيار بين الفسخ وبين الإمضاء بجميع الثمن فإن قدر على تحصيل الآبق ازداد خيراً وإلا كان الثمن في مقابلة الضميمة ولا ينفسخ البيع بالنسبة إلى الآبق لصحة بيعه مع الضميمة ولا يشترط في الضميمة استمرار ملكها للمشتري بل لو جعل له الخيار في فسخها جاز فإن انفسخ فيها رد من الثمن ما قابلها عند التوزيع ولا يرد الثمن كله لأنه إنما يكون بأزاء الضميمة إذا تلف الآبق ومقابلته بالثمن تصح في الابتداء لا في الاستدامة لأن حكمها غير حكم الابتداء وكذا لو تلفت الضميمة قبل قبضها سقط من الثمن ما قابلها نعم قد يشكل الحال فيما لو فسخ المشتري الضميمة فتلف الآبق قبل قبضه فإنه لم تسلم له الضميمة كي يكون الثمن فيما قابلها ولم يسلم له الآبق كي يوزع عليه الثمن ويشترط في بيع الآبق ما يشترط في غيره من كونه معلوماً وموجوداً عند العقد فلو كان مجهولاً فسد العقد من أصله أو تالفاً وقت العقد فسد العقد بالنسبة إليه ورد ما قابله من الثمن ولا يكون الثمن ههنا بمقابلة الضميمة فقط لأنها إنما تكون في مقابلها إذا تلف بعد العقد ولو ظهر عيب أو خلاف وصف أو غبن فيه أو في الضميمة كان للمشتري الخيار بين الفسخ أو الأخذ بجميع الثمن مع الإرش وأما ما شابه الآبق من الضال والذاهب والمسروق فيحتمل إلحاقهما بالآبق فيصح بيعه مع الضميمة وتجري عليه أحكامه ويحتمل صحة بيعه مطلقاً لإمكان الانتفاع به من عتق أو وقف أو بيع مع الضميمة ويحتمل بطلان بيعه مطلقاً لعدم القدرة على التسليم فيه وخروج الآبق للدليل لا يسري إلى غيره وتنقيح المناط لم يثبت ويصح بيع المال المغصوب من المالك على غاصبه وعلى غيره إذا قدر المالك على تخليصه بواسطة مال أو سؤال أو قهر وكذا إذا قدر المشتري على ذلك ولو لم يقدرا معاً كان من غير المقدور على تسليمه فيبطل البيع فيه للزوم السفه والعبث والإجماع المنقول وفي صحته مع الضميمة وجه والأوجه خلافه ويحتمل اختصاص الصحة بما لو كان عبداً دون غيره ومن أطلق المنع من بيع المغصوب تحميل كلامه على ما قدمنا من عدم القدرة على التسليم أو التسلم أو التلف والعيب قبل القبض مضمونان على الغاصب ولا ينفسخ البيع بتلفه بعده بل يرجع عليه المشتري بالمثل أو القيمة وليس من غير المقدور على تسليمه بيع الفضولي لأنه مقدور من المالك بعد إجازته ومقدور من الفضولي عرفاً بواسطة مال أو شفاعة ونحوهما لو كان كذلك ولا بيع المرهون والمحجر عليه أيضاً للقدرة على تسليمها مع إجازة الراهن وذي الحجر.