انوار الفقاهة-ج2-ص9
رابعها:من جملة ما يقوم مقام المالك في نفوذ عقده الفضولي إذا عقد على مال الغير فأجاز المالك غاصباً كان أم لا عالماً بأنه مال غيره أو مشتبهاً قاصداً للبيع للمالك أو لنفسه أو لهما معاً أو لغيرهما فإنه متى ما أجاز المالك بنية أن البيع له أو من دون نية وقع البيع له وليس تعين المالك من شرائط الصحة نعم لو نوى الفضولي البيع لنفسه فأجاز المالك كذلك احتمل وقوعه للمالك قهراً وبطلانه وصحته ويكون للفضولي بمنزلة هبة وبيع كاشتري بمالي لنفسك وكذا ونظيرها لو باع مال نفسه بنية أنه لغيره فأجاز الغير فإنه من المحتمل أنه بمنزلة هبة وبيع أو بمنزلة اعتق عبدك عني وليس من الفضولي ما لو باع مالاً زاعماً انه للغير فضولاً فبان أنه له سابقاً أو متجدداً بميراث وشبهه فإنه يمضي البيع له من دون افتقار إلى إجازته بعد ذلك ومن دون ثبوت خيار له كما احتمله بعضهم لعدم موجبة والحكم بالبطلان كما احتمله آخرون لعدم القصد أو للتردد فيه منظور فيه وربما يجري ذلك للوكلاء والأولياء أيضاً فيما إذا باعوا مال المولى عليهم أو الموكلين لهم بزعم أنه مالهم أو أنه مال غيرهم فضولاً أو أنكحوا المولى عليهم أو المملوكين على جهة الفضولية للجهل بالولاية والمملوكية فتبين لهم بعد ذلك أن المبيع مال المولى عليه أو أن النكاح كان للمولى عليه او المملوك فإن الصحة فيه هو الأوجه من دون افتقار للإجازة وكذا مع العلم بالولاية والملك ولكن وقع الاشتباه بين الفرد المملوك أو المولى عليه وبين غيره فزعمه أنه غيره ولا يتفاوت الحال في الفضولي بين علم المشتري بالغصب حين دفع الثمن وبين عدمه واحتمال أنه مع العلم معرض عن ماله فيدخل في ملك الفضولي بالإعراض أو أنه يخرج عن ملكه وإن لم يدخل في ملك أحد فلا تؤثر إجازة المالك سيما على النقل أو أنه خال عن العقد فلا تؤثر إجازة المالك مع عدم قصد القابل ضعيف لا يلتفت إليه سواء كان الثمن كلياً أو معيناً وسواء كان موجوداً أو تالفاً والدليل على صحة الفضولي مع الإجازة بجميع ضروبه ظواهر الإجماعات المنقولة المعتضدة بنقل الشهرة بل بتحصيلها ويدل عليه عمومات أدلة العقود أجناساً وأنواعاً لدخوله تحتها لكونه من العقود المتعارفة المأنوسة وتشهد بذلك السيرة المأنوسة والطريقة المألوفة الحاصلة من تصرف الأصدقاء وأهل الأمانات والوكلاء والمأذونين في غير الوجه الذي أذن لهم فيه ولا تختص أدلة العقود فيما باشره الملاك قطعاً وإلا لخرج عقد الولي والوكيل بل يراد منها ما يرتضونها الملاك أو أولياؤهم سابقاً أو لاحقاً فتدخل تحت تجارة عن تراض ويخرج ما لا يرتضونها ويحيزونها بالإجماع ويدل عليه أيضاً ما جاء في النكاح من إجماع أو أخبار فإنه يثبت في غيره بالأولوية لان أمر الفروج أشد ولجواز جعل البيع والإجارة ونحوهما صداقاً فيه فيعمها فضوليته ويدل عليه حديث بيع عقيل دون النبي (() بمكة وأجازته له وحديث عروة البارقي المستفيض المعتضد بالشهرة نقلاً وفتوى من أن النبي (() أمر بشراء شاة بدينار فاشترى به شاتين ثم باع أحدهما بدينار فجاء بالشاة والدينار فأجازه النبي (() وصدره وإن أمكن فيه المناقشة بأنه من مفهوم الأولوية للوكيل إلا أن عجزه ظاهر في الفضولية والمناقشة فيه باستبعاد تصرفه من دون إذن وبعدم العموم في حكايات الأفعال وباحتمال حصول الوكالة ولم تنقل وباحتمال فهم الإذن الفحوائية له وباحتمال أن عروة لم يوقع بيعاً بل إباحة وباحتمال أنه فهم من النبي إرادة الشاه الواحد فبيع أحدهما مما يتوقف عليه المراد خلاف ظاهر الفتوى والرواية ويدل عليه أيضاً قضاء أمير المؤمنين (() في وليدة باعها ابن سيدها في غيبة أبيه فولدت من المشتري فلما رجع طالب بجاريته أنها ترد مع الولد إليه فردت وأشار على المشتري أن يقبض ولد المالك فقبضه فأجاز بيع الوليدة وردها مع ولدها وتنزيلها أظهر من تنزيلها على غيره من الأمور (العسه) والقدح فيه باشتماله على رد ولد المشتري مع أنه حر للشبهة وعلى قبض ولد المالك مع أنه حر وليس عليه إلا الغرامة وعلى تأثير الإجازة بعد الرد والفسخ وهو خلاف الإجماع مردود بتنزيل الرد على تقديمه وتسليمه للحق وتنزيل قبض الولد على حبسه ليؤدي ما عليه من الغرامة لأن المشتري مغرور من قبله وتنزيل منع المالك على المنع الصوري لا الحقيقي وهذا كله مفهوم من الخبر لمن له خبر ونظر ويدل عليه ما ورد عن الصادق (() فيمن ربح أربعة آلاف درهم في وديعة غير مأذون بالتصرف فيها أن الربح لصاحب المال وما ورد من أنه لا يجوز لمن باع ثوباً أن يأخذ من المشتري بوضيعة فإن أجل له أجلاً فباعه بأكثر من ثمنه على صاحبه الأول ما زاد ويدل على جواز الفضولي ما جاء في اقتراض مال الصبي مع عدم الإذن الشرعي ليتجر به أن الربح للصبي وتنزيلها على إجازة من له أهلية الإجازة أو على الإجازة الإلهية لأولويته من طرحها أو الجمود عليها فتكون مشعرة بصحته وما جاء من أخبار الخمس من تحليل المناكح والمساكن وما صرح فيه بالشراء من مال الخمس من الجواري وإجازة الإمام ذلك لأجل الحق وما جاء في جواز إجازة السيد عقد العبد وإجازة الوارث الوصية فيما زاد على الثلث وما جاء في صدقة المجهول أنها تمضي مع إجازة المالك وإلا غرم المتصدق فبجموع ما ذكرنا يحصل للفقيه الظن بل القطع بجوازه في كل عقد من كل عاقد غاصب أو لا قصد لنفسه أو لا ونقل بعض الفضلاء أنه لا قائل بالفرق بين النكاح والبيع وبين غيرهما من العقود نعم قد يشكل الحكم بجريانه في الإيقاعات والعقود المشترطة بالقربة كالوقف وفي دفع الماليات التي هي من أقسام العبادات كالخمس والزكاة والأظهر جريانه في الجميع فيما قام الدليل على عدمه والأحوط العدم وذهب جمع من أصحابنا إلى المنع من صحة الفضولي مع الإجازة مطلقاً لإطلاق الأكثر اشتراط الملك في البيع وهو مردود بعدم دلالته على بطلان نفس العقد بدونه بل المراد أن نفس الأثر موقوف عليه أو أن الملك شرط في مقابلة عقد غير المالك الخالي عن إجازة المالك وإلا فالمصاحب لها تصدق عليه لأنه بيع في ملك وللإجماع المنقول وهو مردود بمقابلة وبفتوى المشهور نقلاً بل تحصيلاً بخلافة ولقوله (() لا بيع إلا في ملك أو فيما يملك بناء على أن يملك مبنى للفاعل وهو مردود بظهور إرادة أن البيع لا يتم بدون مالك أو ما هو كالمالك كالولي والوكيل في مقابلة تمامه من دون رضا المالك أو أجازته لا أن المراد أن صورة البيع لا تقطع إلا من المالك لبطلانه بالضرورة ويراد بنفي البيع نفي لزومه وهو من المجازات المشهورة المساوية للحقيقة أو المقدمة عليها ولقوله تعالى: [تجارة عن تراض] ولا تراض في الفضولي وهو مردود بأن التجارة هي النقل والانتقال لا مجرد إيقاع نفس العقد وهما لا يتمان إلا برضا المالك وإجازته ونحن نقول بصحته موقوفاً على رضاه وإجازته اللاحقة كالوكيل بالمنسبة إلى رضاه وإجازته السابقة ولتوجه النهي إليه فيقضي بفساده وهو مردود بمنع توجه النهي إليه في غير الغاصب لأنه لا يعد تصرفاً بل وفي الغاصب إذا قصد أن البيع للمالك بل وفيه ولو قصد لنفسه لعدم كونه تصرفاً وإن أثم بالاستيلاء عليه وبنقله وبدفعه إلى غيره ولو سلم توجه النهي فهو لأمر خارج لا يفيد فساداً في المعاملة لو تعلق صورة بها فكيف ولم يتعلق صورة بها ولفقدان شرط القدرة على التسليم وهو مردود بإمكانها من المالك عند الإجازة وهو كاف ولا يشترط إمكانها من العاقد صورة للأصل وعدم الدليل على أن المقدور بواسطة المالك عند رضاه مقدور بالذات وذلك كاف ولعدم تحقق قصد النقل من الفضولي وهو شرط وهو مرود بأن قصد النقل العرفي كاف وقصد النقل الشرعي غير شرط للأصل وعدم الدليل وبأنه يمكن القصد للنقل شرعاً في غير الغاصب بضميمة قصد لحوق الإجازة للعقد ولما ورد من النهي عن البيع ما ليس عنده في عدة أخبار وهو مردود بأن المراد منها بيع المعدوم أو الغير المقدور على تسليمه مطلقاً وهذا مقدور على تسليمه ولو بواسطة رضا المالك وأجازته على انه قد ورد في بعض الأخبار تجويز بيع ما ليس عنده وفيها ما يشعر بأن المنع فتوى العامة وللأخبار الواردة في النهي عن شراء السرقة والخيانة وفي امرأة باعت أرضاً ليست لها قال ليمنعها أشد المنع فإنها باعت ما لا تملكه وهو مردود بأن النهي لا يقضي بالفساد.
أولا:وبأنه متعلق فيمن باع لنفسه وهو أخص من الدعوى.
ثانياً:وبأنه متعلق بما يترتب على البيع من القبض والنقل.
ثالثاً:وبأنه منزل على ما هو الغالب من عدم إجازة المالك مطلقاً وإلا فلو أجاز أو علم أنه يجيز كان شراء من المالك لا من غيره.
رابعاً:هذا كله والأحوط الحكم بالبطلان في صورة ما إذا باع الفضولي لنفسه وسيما لو كان غاصباً لفتوى جمع من الفقهاء بالفساد فيه ولنقل الإجماع عليه والانطباق أكثر أدلة المنع عليه ولشبهه أن العقود تتبع المقصود.
خامسها: بعد الحكم بصحة الفضولي مع تعقبه بالإجازة من مالك أو ولي أو نحوهما لا بد من التنبيه لأمور.
منها:أن الإجازة هل لا بد لها من لفظ يدل عليها أو يقوم مقامه عند عدم التمكن منه أو يكفي الفعل الدال عليها عند التمكن من اللفظ لأن المقصود الرضا وقد حصل أولاً يكفي لحديث إنما يحلل الكلام وللشك في حصول النقل بالعقد الأول وجهان أحوطهما الأخير وكذا لا يكفي السكوت وإن دل على الرضا على الأظهر مع احتمال الاكتفاء به لما ورد في النكاح أن السكوت المولي بعد علمه إجازة لعقد عبده فيكفي في غيره بمفهوم الأولى.
ومنها:أن الإجازة هل يشترط فيها الفورية لحديث نفي الضرار فلو لم يجز فوراً بطل العقد الأول أو لا يشترط للأصل وظاهر الأدلة المتقدمة وجهان أقربهما الثاني.