انوار الفقاهة-ج1-ص25
الخامس: لو اختلف المالك والخياط في قطع الثوب فقال المالك (أمرتك بقطعه قميصاً فقال الخياط بل قباءً فإن كان قبل حلف المالك فقط تحالفاً وانفسخ العقد وبطلت الإذن) وإن كان بعده فالقول قول المالك بيمينه وليس للخياط أجرة على عمله لعدم ثبوت إذن المالك له بذلك إذ هو يدعي الإجارة على نحو خاص والإذن به على نحو خاص أو سقوط ضمانه بعد تصرفه بمال الغير والمالك ينكر ذلك فعلى الخياط البينة فالقول بتقديم قول الخياط لإدعاء المالك عليه الأرش وهو غرامة فالأصل عدمها والقول قول نافيها ضعيف لأن التصرف بمال الغير موجب للضمان سنة وإجماعاً غاية ما يسقطه صدور الإذن من المالك وهو أمر مشكوك والأصل عدمه فعلى مدعيه البينة واحتمل في المقام التحالف وهو وجه وثمرته كثمرة القول بأن القول للمالك وعلى كل حال فلو قدمنا قول المالك فللخياط أرش الثوب وهو يتفاوت بين كونه مقطوعاً قميصاً ومقطوعاً قباءً ويسقط أرش ما يصلح لهما مع احتمال ضمان أرش ما بين كونه مقطوعاً أو غير مقطوع لأن القطع على الوجه الذي يدعيه الخياط لا يستحق عليه شيء ولو أراد الخياط فتق القميص له مع ما أحدثه من العمل لم يجب إجابته لاستنلزامه التصرف بمال الغير عدواناً كمن نقل مال غيره عدواناً إلى مكان فإنه ليس له أن يرده إلى مكانه من دون إذن المالك نعم لو كانت الخيوط له فطلب أخذها احتمل وجوب إجابته لأنه عين ماله ويجب دفعه إليه واحتمل عدمه لاستلزامه التصرف بمال الغير بغير حق مع أنه قد أسقط حرمة ماله بمداخلته بمال الغير باختياره والأول أقوى نعم يضمن أرش نقصان جذب الخيوط من الثوب ولو بذل المالك قيمة الخيوط لم يجب إجابته كما لو بذل الخياط قيمة الثوب ولو طلب المالك شد الخيوط بخيوط الخياط لتقوم مقامها عند جذبها لم يجب إجابته على الخياط وقد يقال أن خيوط الخياط يملكها صاحب الثوب بإقرار الخياط لأنه معترف بإجارة المالك ومن لوازم إجارة الخياط فتملك عليه بعقد الإجارة إذا خاط بها فكأنها قد قبضها للمالك فملكها وهو وجه لو كان التداعي في المستأجر عليه لا في الإذن وعدمه لاعتراف الخياط في الصورة الأولى بأنه ليس على المستأجر الأجرة المسماة وإن الخيوط بقاؤها في ملك الخياط إلى أن يقبضها المالك راضياً بها بعيد .
السادس:لو اختلفا في صحة عقد الإجارة وعدمها وإن اتفقا في وقوع الإيجاب والقبول من كاملين والأجرة معينة قدراً ووصفاً والمنفعة كذلك إلا أنهما اختلفا في وقوع ذلك صحيحاً أو فاسداً كما إذا اختلفا في وقوع اللحن في الصيغة أو في عدم القصد والاختيار أو في الجهالة أو في عدم القدرة على التسليم أو غير ذلك ولا ينافي اجتماع الجهالة مع تعين القدر كما إذا قال أحدهما (أجرتك سنة بدينار) مجتمعة وقال الآخر أجرتني سنة ما غير معلومة الاتصال والانفصال ولا الاجتماع ولا التفرق لا أشهراً ولا أياماً فالقول في ذلك كله قول مدعي الصحة مع يمينه لأصالة الصحة في أفعال المسلمين المفهومة من السنة بل والإجماع ولأصالة صحة العقد في نفسه وإن صدر من كافر على الأظهر دليلاً وفتوى وإن لم يتفقا على وقوع الإيجاب أو القبول أو على كونهما من كاملين كما إذا أحدهما الصبي أو المجنون أو على تعيين الأجرة والمنفعة كما إذا ادعى أحدهما منفعة معينة على وجه الصحة وأدعى الآخر منفعة أخرى على وجه الفساد أو على تعيين المدة فادعى أحدهما مدة فاسدة وادعى الآخر مدة أخرى زائدة صحيحة أو على تعيين العقد كما إذا ادعى أحدهما بيعاً فاسداً وادعى الآخر صلحاً إلى غير ذلك فهل يحكم بتقديم قول مدعي الصحة مع معارضة الأصول إشكال ينشأ من أصالة الصحة فالقول قول مدعيها فإذا حلف يميناً على نفي الفساد وحلف آخر على إثبات الصحيح فيثبت قوله إذ لا ثالث محتمل بينهما ومن أن مدعي الصحة إنما يكون القول قوله في إثبات الفساد لا في إثبات ما يدعيه فيحتاجه إثباته إلى بينة وإلا فيتوجه اليمين على من ينكره فيتحالفان ويحكم بعدم وقوع شيء مما ادعياه ومثل ما ذكرناه ما لو إحراز الشرط مشكل وكذا لو توقفت الصحة على حصول شرط متأخر فتنازعا في وقوعه كالقبض في الصرف أو السلم أو الإجارة في الفضولي ونحو ذلك والأقوى ههنا البناء على أصالة العدم لا أصالة الصحة ولو اتفقا على حصول القبض سابقاً أو حصول التفرق واختلفا في السابق واللاحق فإن الأوجه هناك الحكم بالصحة.