احکام المتاجر المحرمة-ج1-ص180
والظاهر أن المنشأ في حرمته وإن كان الاستدلال بذلك لا يخلو من نوع تأمل، ولما في خبر السكوني من النهي عن أكل ما يجيء به الصبيان من القمار، وقوله (() فيه (وهو سحت)(4)، ولما في خبر إسحاق بن عمار من قوله ((): (لا تأكل فإنه حرام)(5)، إلى غير ذلك من الأخبار القاضية بذلك، المعتضد ما فيها من القصور سنداً ودلالة بالإجماع، فحرمة اللعب بالآلات المعروفة للقمار مع الرهن وحرمة المال المأخوذ بذلك مما لا كلام ولا إشكال فيها، وإنما الإشكال في حرمة اللعب بآلات القمار المعروفة بدون الرهن لما سمعت من أخذ الرهن في مفهوم القمار، فصدْقُ القمار على ذلك محل نظر، وقصارى ما في كلام أهل اللغة وبعض أساطين الأصحاب أنه قد يطلق على اللعب بهذه الأشياء مطلقاً مع الرهن وبدونه(6)، والإطلاق أعم من الحقيقة، فلا يوجب الإطلاق المذكور إجراء أحكام المطلقات في الأخبار عليه حتى لو بني على أصالة الحقيقة في الإطلاق والاستعمال، لما هو المعلوم من انصراف المطلقات إلى الفرد الغالب المتعارف، ولا شك أن الفرد الغالب المتعارف للقمار هو اللعب بتلك الآلات مع الرهن.
نعم يمكن الاستدلال على ذلك ببعض الأخبار التي منها رواية أبي الربيع الشامي في الشطرنج والنرد (قال: لا تقربوهما، قلت: فالغناء، قال: لا خير فيه، اتقربه)(1)، ومنها رواية تحف العقول، من أن ما يجيء منه الفساد محضا لا يجوز التقلب فيه من جميع وجوه الحركات(2)، ومنها رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ((): (في قوله تعالى: [إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ](3) قال: أما الخمر فكل مسكر من الشراب – إلى أن قال – وأما الميسر فالنرد والشطرنج، وكل قمار ميسر إلى أن قال فكل هذا بيعه وشراؤه والانتفاع بشيء من هذا حرام محرم)(4)، والمراد من القمار هنا نفس الآلات دون المعنى المصدري، فلا يقال أنه ينصرف إلى الغالب كما مر بقرينة قوله: (بيعه وشراؤه)، وقوله: (وأما الميسر فهو النرد)، ومنها ما روي عن أمير المؤمنين (() في تفسير الميسر من أن (كل ما ألهى عن ذكر الله فهو الميسر)(5)، ومنها رواية الفضيل قال: (سألت أبا جعفر (() عن هذه الأشياء التي تلعب بها الناس من النرد والشطرنج حتى انتهيت إلى السدر، قال: إذا ميز الله الحق من الباطل مع أيهما يكون ؟ قلت: مع الباطل، قال: فما لك والباطل؟)(6)، ومنها موثقة زرارة عن أبي عبد الله (() (أنه سئل عن الشطرنج ولعبة شبيب التي يقال لها لعبة الأمير، وعن لعبة الثلث، فقال: أرأيت إذا ميز الله بن الحق والباطل مع أيهما يكون ؟ قال: مع الباطل، قال: فلا خير فيه)(7)، ومنها رواية عبد الواحد بن المختار عن اللعب بالشطرنج، قال: (إن المؤمن لمشغول عن اللعب)(1)، إلى غير ذلك من الأخبار.
فإن التأمل في هذه الأخبار يقتضي الحكم بتحريم اللعب بالآلات المعروفة للقمار وإن لم يكن رهنا وإن قلنا بدخول الرهن في القمار، والله أعلم.