احکام المتاجر المحرمة-ج1-ص139
تاسعها: ما يقصد به دفع الضرر عن المذموم في عرض أو دم أو مال، وبنحو ذلك يجاب عن الطعن في زرارة والهشامين كما بيّن ذلك الإمام (() بقوله في بعض ما أمر به عبد الله بن زرارة تبليغ أبيه (أقرأ مني على والدك السلام فقل له إنما أعيبك دفاعا مني عنك؛ فإن الناس يسارعون إلى كل من قرّبناه وحمدناه لإدخال الأذى في من نحبه ونقرّبه ويذمونه لمحبتنا له وقربه ودنوّه منا ويرون إدخال الأذى عليه وقتله، ويحمدون كل من عيّبناه نحن ( وأن يحمد أمره)، وإنما أعيبك لأنك رجل اشتهرت منا بميلك إلينا وأنت في ذلك مذموم غير محمود الأثر بمودتك لنا ولميلك إلينا، فأحببت أن أعيبك ليحمدوا أمرك في الدين بعيبك ونقصك، ويكون ذلك منا دافع شرهم عنك، يقول الله عز وجل [أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا](1)، هذا التنزيل من عند الله، لا والله ما عابها إلا لكي تَسلم من الملك و لا تُغصب على يديه، ولقد كانت صالحة ليس للعيب فيها مساغ، والحمد لله، فافهم المثل (رحمك الله) فإنك أحب الناس إليّ وأحب أصحاب أبي إليّ حيا وميتا، وإنك أفضل سفن ذلك البحر القمقام الزاخر، وإن وراءك لملكا ظلوما غصوباً يرقب عبور كل سفينة صالحة ترد من بحر الهدى ليأخذها غصبا، ويغصب أهلها، فرحمة الله عليك (حيا) ورحمة الله عليك ميتاً)(2)، الخبر.
ولكن لا يخفى عليك أن هذا وشبهه غير داخل في موضوع الغيبة بعد ما عرفت من اعتبار قصد الانتقاص فيها.
عاشرها: ذكره بالاسم المعروف والصفة المعروفة كالأعرج والأعمش والأشتر ونحوها لضرورة التعريف كما جرت عليه عادة العلماء في ذكر الرواة والمحدِّثين، فالسيرة والإجماع المحصَّل والأخبار شاهدة له، وقد ورد في كثير من الأخبار ذلك، وفي الحديث (جاءت زينب الطاهرة الحولاء إلى نساء رسول الله (())(1)، ولا بأس في ذلك في ما إذا صارت الصفة مشهورة بحيث لا يكره صاحبها وصفه بها، ولعله على ذلك تُنزَّل الأدلة المذكورة، واستثناء ذلك مبني على عدم اعتبار قصد الانتقاص في الغيبة، وقد عرفت أنه معتبر، بل قد عرفت أنه يعتبر في موضوع الغيبة المستورية، وهذا ليس من العيوب المستورة.
وكيف كان فلا يستلزم ذلك جواز الغيبة بالأوصاف الظاهرة مما لم يشتهر وصفه بها كالعور والعرج والقصر ونحوها وعلى ذلك يُنزّل قول النبي (() لعائشة لما أشارت إلى قصر الإمرأة إنك اغتبتها(2).
نعم، قد يقال بجواز ذكر الأوصاف المذكورة عند العالم بها كغيرها من العيوب المعلومة بين المتكلم والمخاطب، فإنه قد يُشك في شمول أدلة المنع لمثله باعتبار عدم حصول أمر جديد، والأحوط الترك خصوصا مع احتمال النسيان، ومع القطع به فالأقوى عدم الجواز.
حادي عشرها: الشهادة لإقامة الحدود وحفظ الدماء المعصومة والأموال المحترمة لئلا تضيع الحقوق ويغلب الباطل على الحق؛ لأن المفسدة في ترك إقامة الحدود أعظم من المفسدة في الغيبة.
ثاني عشرها: ما دخل في النهي عن المنكر لتوقفه عليه، فيجب الوقيعة في بعض العصاة ليرتدعوا عما هم عليه من المعصية.
ثالث عشرها: نفي نسب من ادّعى نسبا وإن كان معذورا أو عرف بنسب، فيجوز تقيةً، وربما وجب حتى لا يقع خلل في المواريث والنفقات والأنكحة وغيرها، ويمكن إرجاعه لبعض ما تقدم.
رابع عشرها: التقية على نفس المستغيب أو على عرضه أو ماله، أو على نفس مؤمن أو عرضه أو ماله، كما يجوز الهجاء والشتم والسب وجميع أنواع المعاصي عدا الدماء.
خامس عشرها: ذكر المبتدعة وتصانيفهم ومعائبهم ونقائصهم حذرا من ميل الناس إليهم ووقوع العباد في الفساد.