پایگاه تخصصی فقه هنر

احکام المتاجر المحرمة-ج1-ص136

أقول: وذلك للأخبار المتكثّرة الدالة على وجوب نصيحة المؤمن التي منها خبر عيسى بن أبي منصور عن أبي عبد الله (() قال: (يجب للمؤمن على المؤمن أن يناصحه)(1)، وخبر معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (() قال: (يجب للمؤمن على المؤمن النصيحة له في المشهد والمغيب)(2)، وخبر أبي عبيدة الحذّاء عن أبي جعفر (() قال: (يجب للمؤمن على المؤمن النصيحة)(3)، وخبر جابر عن أبي جعفر (() قال: (قال رسول الله ص: لينصح الرجل منكم أخاه كنصيحته لنفسه)(4)، وخبر السكوني عن أبي عبد الله (() قال: (قال رسول الله ((): إن أعظم الناس منزلة عند الله يوم القيامة أمشاهم في أرضه بالنصيحة لخلقه)(5)، وخبر سفيان بن عيينة قال: سمعت أبا عبد الله (() يقول: (عليكم بالنصح لله في خلقه؛ فلن تلقاه بعمل أفضل منه)(6)، وخبر عطاء بن يزيد عن تميم قال: (قال رسول الله ((): الدين النصيحة، قال: لمن يا رسول الله (()؟ قال لله ولرسوله ولأئمة الدين ولجماعة المسلمين)(7)، إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على وجوب نصيحة المؤمن مع السبق بالاستشارة وعدمه، ودعوى ظهورها في سبق الاستشارة كما ترى.

سابعها: عدّ بعض أصحابنا من المستثنيات نصح المستشير؛ للأخبار المتقدمة ولما رواه عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (() قال: (من استشار أخاه فلم يمحضه محض الرأي سلبه الله عز وجل رأيه)(1)، ولقول النبي (() لفاطمة بنت قيس لما شاورته في خُطّابها: (معاوية صعلوك لا مال له، وأبو الجهم لا يضع العصا عن عاتقه)(2)، قال بعض المعاصرين قلت: لعل هذا وسابقه راجع إلى نصح المؤمن الذي أُمر به في النصوص من غير فرق بين سبق الاستشارة وعدمها.

لكن التعارض بين ما دل على حرمة الغيبة وبينها من وجه، ولعل الترجيح لها، إلا أنه على إطلاقه لا يخلو من إشكال.

فالمتجه مراعاة الميزان في الموضوعات مع المحافظة على مقدار ما يتوقف عليه النصح من غير تعدٍّ وتجاوز، بل يمكن عند التأمل عدم كون ذلك من التعارض في الأدلة، وإلا فمقتضى ذلك التعارض بين أدلة المستحبات والمباحات وأدلة المحرمات.

ومن هنا كان المتجه الاقتصار في هذا الباب على خصوص ما جرت السيرة به وما دلت عليه الأدلة المخصوصة لا مطلقا وإن أوهمته بعض العبارات استنادا إلى ما ورد في نصح المؤمن المعلوم كونه من قبيل ما ورد في قضاء حاجة المؤمن(3)، لا يراد منه الأفراد المحرمة أو المستلزمة لها فتأمل جيدا والله أعلم )(4) انتهى.

أقول: يظهر من قوله (بل يمكن عند التأمل) إلى آخر عبارته أن نصح المؤمن مستحب كقضاء حاجته، وأنّ أدلة النصح كأدلة قضاء الحاجة تدل على الاستحباب.

وفيه أن الأخبار المتقدمة ظاهرة في الوجوب إن لم تكن صريحة فيه.

لتعبير أكثرها بلفظ ( يجب ) كما سمعت هذا، مضافا إلى قوله ((): (المؤمن مرآة أخيه)(1)، وإلى أن تركها خيانة، وهي من أعظم المحرمات، وبعد فرض دلالتها على الوجوب لا وجه لعدم عدّ ذلك من التعارض، واقتضاء ذلك التعارض- في أدلة المستحبات والمباحات والمحرمات- ممنوع، فحينئذ يكون التعارض بين ما دل على وجوب نصح المؤمن وما دل على حرمة الغيبة عموم وخصوص (من)(2) وجه، فلا بد من الرجوع إلى المرجّحات كما هو الدأب في دليل الوجوب والتحريم لو تعارضا كذلك.