احکام المتاجر المحرمة-ج1-ص132
كيف وهي صريحة في ذلك، لا أقل من أن يكون جواز غيبتهم لتجاهرهم بالفسق؛ فإن ما هم عليه أعظم أنواع الفسق بل الكفر وإن عوملوا معاملة المسلمين في بعض الأحكام للضرورة أو للإجماع، وستعرف إن شاء الله أن المتجاهر بالفسق تجوز غيبته في ما تجاهر فيه وفي غيره.
ثالثها: عدّ بعض أصحابنا من المستثنيات تظلّمَ المظلوم عند من يقطع بإعانته له، إما برفع الظلم عنه أو بإعانته له بماله أو بوصول الخبر إلى الظالم فيرفع عنه الظلم لذلك، أو عند من يرجو في التظلّم عنده حصول أحد الثلاثة المذكورة وإن لم يقطع بذلك؛ وذلك للسيرة القطعية المأخوذة يدا بيد من زمن الأئمة (() إلى زماننا هذا؛ ولظاهر قوله تعالى: [وَلَمَنْ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ](1)، وقوله تعالى: [لاَ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ](2)، فعن تفسير القمي أي لا يحب أن يجهر الرجل بالظلم والسوء ويَظلم إلا من ظُلم(3)، ولقول هند للنبي ((): (إن ابا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني وولدي )(4)، ولرواية أبي البختريّ: (ثلاثة ليس لهم حرمة.
.
إلى أن قال: والإمام الجائر والفاسق المعلن بفسقه)(5)، فإن الظاهر أن عدم احترامه لجوره؛ ولهذا جعله في مقابلة الفاسق المعلن بفسقه، ويؤيد ذلك أن في منع المظلوم من هذا الذي هو نوع تشفٍّ في الظالم حرج عظيم؛ ولأن في مشروعية الجواز مظنة ردع الظالم عن ظلمه، ويؤيد ذلك أيضا النبوي المعروف وهو قوله (ص): (لصاحب الحق مقال)، وهذه الأدلة وإن كانت مطلقة، لكن لا بد من تقييدها بالتظلّم عند من يرجو إزالة ظلمه بالتظّلم عنده بأحد الطرق المتقدمة اقتصاراً على القدر المتيقَّن في ما خالف الأصل الثابت بالأدلة العقلية والنقلية المتقدمة وهو تحريم الغيبة.
وصرح بذلك جمع من أساطين أصحابنا (رحمهم الله) كما أن جمعا منهم صرحوا بالجواز مطلقا من غير فرق بين التظلّم عند من يرجو زوال ظلمه بالتظلّم عنده وبين غيره، فلو كان الظلم غير قابل للتدارك أو المتظلَّم عنده غير قابل للتدارك فلا منع استنادا إلى إطلاق الآية المفسَّرة بما سمعت، وبما رواه في محكيّ مجمع البيان عن الباقر (() في تفسيرها: (إنه لا يحب الشتم في الانتصار إلا من ظُلم، فلا بأس له أن ينتصر ممن ظلمه ممن يجوز الانتصار به في الدين)(1)، وقال في المجمع (ونظيره [وَانتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا])(2).