احکام المتاجر المحرمة-ج1-ص128
ويستفاد من ظاهر كلام أهل اللغة ومن قضية العرف أيضا اعتبار تعيين المستغاب عند السامع في تحقق موضوع الغيبة فمتى لم يكن (معيناً لم تكن)(2)، غيبةً سواء كان مردداً بين محصور أو غير محصور (وكان رسول الله (() إذا كره من أحد شيئا قال: ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا)(1)، ويستفاد من عبارة الصحاح اعتبار المستورية في المستغاب به(2)، فمتى لم يكن مستوراً لم تكن غيبة، وتساعده على ذلك الأخبار المستفيضة، منها ما رواه العياشي بسنده عن ابن سنان (الغيبة: أن تقول في أخيك ما فيه مما قد ستره الله عليه)(3)، ورواية داود بن سرحان المروية في الكافي (قال: سألت أبا عبد الله (()عن الغيبة، قال: هو أن تقول لأخيك في دينه ما لم يفعل، وتبثّ عليه أمرا قد ستره الله عليه لم يُقَم عليه فيه حد)(4)، ورواية أبان (قال: قال لي أبو الحسن (() مَن ذكر رجلا من خلفه بما فيه مما عرفه الناس لم يغتبه، ومن ذكره من خلفه بما لم يعرفه الناس فقد اغتابه)(5)، وحسَن عبد الرحمن (قال: سمعت أبا عبد الله (() يقول: الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره الله عليه)(6).
وعلى هذا تكون غيبة المتجاهر بالفسق خارجة عن الموضوع، ولعل المعتبر في الغيبة موضوعا كونها مما ينقص بها المستغاب عرفاً، فكل ما لم تكن كذلك لم تكن غيبة، فخرج عن الغيبة موضوعا غيبة المتجاهر كما عرفت وغيبة المجنون والصبي غير المميز وما علمه السامع والمتكلم من الأوصاف القبيحة والغيبة من دون مخاطب إلى غير ذلك.
وكيف كان فالغيبة هي ذكر الإنسان الغائب بسوء مع قصد نقصه وحصول النقص ولو عند السامع لاطلاعه على ما لم يعلمه، فجامع القيود المذكورة فهو منها موضوعا، وكل ما لم يجمع القيود المذكورة فليس منها موضوعا وإن شاركها حكما بل كان أشد منها تحريما كما ستعرف ذلك مفصلاً إن شاء الله تعالى.
هذا معناها عرفاً، والعرف هو الميزان مع اختلاف كلام أهل اللغة في التفسير والبيان كما لا يخفى.
الكلام في حرمة الغيبة
ثانيها: في حكمها، ولا كلام في حرمتها للإجماع محصَّلا ومنقولا، بل هي من الضروريات كما سمعت، ويدل على ذلك – بعد ما سمعت وبعد العقل القاطع لكونها من الظلم الذي يستقل العقل بحرمته – من الكتاب قوله تعالى: [وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا](1)، ومنه قوله تعالى: [لاَ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ](2)، وقوله تعالى: [وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ](3)، فإن الهمزة الطعّان في الناس، واللمزة الذي يأكل لحوم الناس على ما حكاه بعض أصحابنا، وقوله تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ](4).