پایگاه تخصصی فقه هنر

احکام المتاجر المحرمة-ج1-ص111

واستدل آخر برواية عبد الملك بن أعين (قلت لأبي عبد الله ((): إني قد ابتُليت بهذا العلم وأريد الحاجة، فإذا نظرت إلى الطالع ورأيت الطالع شراً جلست ولم أذهب فيها، فإذا رأيت الطالع خيرا ذهبت في الحاجة، فقال لي: تقضي ؟ قلت: نعم، قال أحرق كتبك)(2)، بناءاً على أن الأمر للوجوب دون الإرشاد، للخلاص من الابتلاء بالحكم بالجزم.

ولا فرق في وجوب الإتلاف بين الأمن من ترتَب الضلال عليها والفساد والاطلاع وعدمه.

كل ذلك لأن المفهوم من الأدلة أن الشارع يريد إتلافها وعدم وجودها في الخارج، لأنها موضوعة للفساد، نظير هياكل العبادة المبتدعة، فكما أن تلك يجب إتلافها ــ وإن شك في ترتب الفساد عليها أو ظن بعدمه أو قطع ــ فكذلك هذه، بل هذه أولى بلزوم الإتلاف.

قال بعض المعاصرين من المتأخرين (ومقتضى الاستفصال في هذه الرواية أنه إذا لم يترتب على بقاء كتب الضلال مفسدة لم يحرم، وهذا أيضاً مقتضى ما تقدم من إناطة التحريم بما يخشى منه الفساد محضا)(3)، ويريد بالرواية رواية عبد الملك بن أعين.

وفيه ما لا يخفى، لأن الإمام (() لم يستفصل في رواية ابن أعين، وإنما أنكر عليه القضاء مع كون ذلك من الباطل، وفرق بين ذلك وبين الاستفصال كما لا يخفى، وفي رواية تحف العقول لم ينط التحريم بما يخشى منه الفساد، وإنما أناطه بما يجيء منها الفساد محضاً، أي أنها لا يجيء منها الصلاح، بمعنى أنها وضعت للفساد كما لا يخفى أيضاً، ويشعر بذلك قوله ((): (ولا يكون فيه شيء من وجوه الصلاح)(4)، على أن معقد نفي الخلاف مطلق كما سمعت، على أن المفهوم من الأدلة في هذا الباب وفي باب ما قصد منه المحرم أن الشارع لا يريد بقاء ما وضع على الفساد، حصل منه الفساد أو لا، ثم قال بعد الكلام السابق: (نعم، المصلحة الموهومة أو المحققة النادرة لا اعتبار بها، فلا يجوز الإبقاء بمجرد احتمال ترتب مصلحة على ذلك، مع كون الغالب ترتب مفسدة، وكذلك المصلحة النادرة غير المعتد بها.

وقد تحصَل من ذلك أن حفظ كتب الضلال لا يحرم إلا من حيث ترتب مفسدة الضلالة قطعا أو احتمالا قريبا، فإن لم يكن كذلك أو كانت المفسدة المحققة معارضة بمصلحة أقوى، أو عارضت المفسدة المتوقعة مصلحة أقوى أو أقرب وقوعا منها، فلا دليل على الحرمة إلا أن يثبت إجماع، أو يُلتزم بإطلاق عنوان نفي الخلاف الذي لا يقصر عن نقل الإجماع)(1) انتهى كلامه.