احکام المتاجر المحرمة-ج1-ص102
وكيف كان فينبغي الرجوع الى العرف الصحيح في موضوعه الذي لا ريب في شموله للمقامات المعلومة وشعبها المعروفة عند أهل الفن، بل لا ريب في تناوله لغير ذلك مما يستعمله سواد الناس من الكيفيات المخصوصة، بل الورع يقتضي أجتناب جميع الأفراد المشكوك في أندراجها في موضوعه وأن كان ألاصل يقتضي الاباحة في شبهة الموضوع الراجعة الى شبهة الحكم، قال في مقتاح الكرامة ( والذي يسهل الخطب في ما أشتبه أنه من الغناء أو من غيره أن الغناء أسم لما هو في نفس الأمر كذلك، لكن التكليف بما هو في نفس الأمر لا يصح الا مع العلم به، وغاية الامر كفاية الظن الأجتهادي في تعيينه، فلو فرض أنتفاء الظن كما لو حصل الشك في بعض أفراد الصوت فيصير من حيث أنه مجهول كذلك مجهول الحكم فيدخل في شبهة نفس الحكم، والأصل فيها الأباحة وعدم وجوب الأجتناب)(1) انتهى.
وفيه ان دعوى عدم صحة التكليف بما في نفس الأمر الا مع العلم ممنوعة.
كيف والتكليف بالمجمل مما لا كلام في صحته.
نعم هو خاص بما يكون للمكلف طريق للأمتثال فيه وهو الأتيان بجميع محتملاته، فلو لم يكن للمكلف طريق للأمتثال منعناه، ومع توجه التكليف يلزمه الاتيان بجميع المحتملات، كما ان دعوى أن الشبهة في مصداق الموضوع فترجع الى الشبهة في الحكم لا تخلو من تأمل، بل يمكن أدعاء كون الشبهة هنا من الشبهة في مفهوم الموضوع فيلزم الاجتناب، لأنه من قبيل التكليف بالمجمل.
ويمكن دفع ذلك بمنع كون المقام من ذلك بعد معلومية جملة من الأفراد الذي يحتمل كون تمام ماهية الغناء مما أشتملت عليه فيشك حينئذ في حرمة الزائد وينفى بأصل البراءة، ولا يعارض ذلك حرمة الغناء؛ لأحتمال كون تمام ماهيته ما في الأفراد المعلومة.
فان قلت: أن الذمة قد أشتغلت بوجوب أجتناب المحرم، ومع أرتكاب الفرد المشكوك به لا يعلم الفراغ والامتثال، قلت: ليس في الأفراد المشتبهة فرد محرم حتى يجب أجتناب الجميع، وأحد المحتملات أباحتها جميعاً أو أنحصار الحرمة في الأفراد المعلومة فإذا كان كذلك فالقول بلزوم الأجتناب للمقدمة مما لا ينبغي هنا فتبصرْ.
ومن جملة ما يحرم التكسب به
((معونة الظالمين))
لأنها محرمة ذاتاً، وكل ما كان كذلك يحرم التكسب به، أما الكبرى فواضحة؛ لقوله ((): (اذا حرم الله شيئاً حرم ثمنه)(1)، وأما الصغرى فأوضح لثبوتها بالعقل والنقل كتابا وسنة وبالإجماع.
أما الأول فلأن العقل المستقل يدرك مبغوضية الظلم ابتداءاً، ومتى أدرك ذلك أدرك مبغوضية الإعانة عليه، وهو أمر واضح.