احکام المتاجر المحرمة-ج1-ص88
فأن كان ما ذكره المشهور هو المعنى العرفي فقد ثبت المطلوب، وان كان المعنى العرفي غيره لزم عليهم بيانه، فعدم بيانه مع بيان المعنى المشهور بيان لعدمه لأن الألفاظ اذا لم تثبت لها حقائق شرعية تحمل على المعاني العرفية وان خالفت المعنى اللغوي؛ لان العرف مقدم على اللغة في مقام التعارض، فيلزم الفقيه بيان المعنى المراد من اللفظ وهو المعنى العرفي، فبيان المعنى المذكور وعدم التعرض للمعنى العرفي بكل وجه مما يشعر بأنه هو المعنى العرفي.
وفيه أنه قد يكون اقتصار بعض الاصحاب على ذلك في بيان الموضوع المذكور من جهة كونه الفرد المتيقن؛ لأن موضوع الغناء لمّا كان مشتبها لغة وعرفا، وكان هذا هو الفرد المتيقن ذكروه؛ لأنه مورد التحريم وما عداه يُتمسك فيه باصالة الاباحة فأرادوا بذلك بيان مورد التحريم أو أنه أظهر أفراد الغناء لغة وعرفا، فعرفوه بما يميّزه في الجملة وأحالوا غيره على العرف، كما أنّ في سابقه أن في جملة من كلام أهل اللغة أن الطرب (خفة تعتري الانسان لشدة حزن أو سرور)(1)، ومتى كان هذا معنى الطرب كان التطريب ايجاد هذه الحالة وكذا الاطراب، وإلا لزِم الاشتراك اللفظي مع انهم لم يذكروا للطرب معنى آخر ليشتق منه لفظ التطريب والاطراب، مضافا الى (أن)(2) ما ذكر في معنى التطريب إنما هو للفعل القائم بذي الصوت لا الاطراب القائم بالصوت، وهو المأخوذ في تعريف الغناء عند المشهور دون فعل الشخص، فيمكن أن يكون معنى تطريب الشخص في صوته ايجاد سبب الطرب بمعنى الخفة، وسببه هو تحسين الصوت ومده وترجيعه، كما أن تحزين الشخص وتفريحه ايجاد سبب الحزن والفرح، فتفسير التطريب والاطراب بما ذكر لا ينافي تفسير الطرب بالخفة، على أن يكون التطريب التحسين، والترجيع يستلزم كون الطرب الحسن والرجوع، وهذا لا يقوله أحد، بخلاف ما لو جعلنا التطريب بمعنى ايجاد سبب الطرب بذلك المعنى، فإنه يكون بمعنى التخفيف بذلك السبب، فيناسب كون الاطراب الخفة.
هذا مع أنه لا يمكن إرادة المد والتحسين والترجيع من الطرب المأخوذ في تعريف الاكثر للغناء، وهو مد الصوت المشتمل على الترجيع المطرب، فيتعيّن بما ذكرنا حمل الطرب المأخوذ في تعريف الاكثر على (الخفة التي تعتري الانسان لشدة حزن أو سرور)، كما هو المنقول عن الصحاح في تفسيره وعن اساس الزمخشري حيث يقول (خفة لهمًّ أو سرور)(3)، والمراد بالطرب في تعريف المشهور ما كان مطربا في الجملة للمغني او المستمع أو ما كان من شأنه ذلك، وليس المراد منه المطرب بالفعل خصوصاً بالنسبة الى كل أحد؛ إذ لو كان المراد منه ذلك اشكل الحال بخروج اكثر ما هو غناء عرفا عن ذلك.