احکام المتاجر المحرمة-ج1-ص13
ثانيها: ظاهر الكتاب، وهو آيات، منها قوله تعالى: [حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ](4) بناءاً على ما ذكره جمع من أصحابنا من ان نسبة التحريم الى العين يقتضي تحريم جميع منافعها ومنها قوله تعالى: [آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ](5) فأنّ الآية دلت على وجوب اجتناب كل رجس، والرجس نجس العين، والاجتناب لا يحصل مع الانتفاع به ببعض المنافع.
ومنها قوله تعالى: [وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ](6) فان الرجز ا لنجس كما صرح به جماعة من اهل اللغة، وهو المناسب ايضاً لقوله تعالى: [وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ](7) وهجره لا يتم الا بترك جميع الانتفاعات به.
ثالثها: ظواهر بعض الاخبار، كخبر تحف العقول، فانه قال فيه في وجوه الحرام من البيع والشراء: (أوشي من وجوه النجس، فهذا كله حرام محرم، لان ذلك كله منهيّ عن أكله وشربه ولبسه وملكه و إمساكه والتقلب فيه بوجه من الوجوه بما فيه من الفساد(8)، فجميع تقلبه في ذلك حرام )(9).
رابعها: ما دلَّ من الاخبار والاجماع على عدم جواز بيع نجس العين، بناء على أن المنع من بيعه لا يكون الا من جهة حرمة الانتفاع به.
وناقش بعض المتأخرين في جميع ذلك، وادعى أن التأمل يقضي بعدم الاعتماد على شيء مما ذكر في مقابلة اصالة الاباحة.
قال: أما الآية الاولى فالتحريم فيها إنما ينصرف الى المنفعة المقصودة الغالبة وهي الأكل.
وإنما يحكم بتعلقه بجميع المنافع حيث لاتكون منفعة غالبة ظاهرة مقصودة.
ومثله قال في الآية الثانية، فأن الاجتناب انما يتعلق بالمنفعة الظاهرة المقصودة وهي الشرب.
ومثله قال في الآية الثالثة في هجر الرجز فانه عبارة عن هجر مباشرته.
وقال في خبر تحف العقول: إن المراد بالامساك والتقلب فيه ما يرجع الى الاكل والشرب وإلا فأمساك نجس العين لبعض الفوائد مما لا إشكال فيه(1)، بل نقل بعض أصحابنا الاتفاق على ذلك، فيكون المراد من الامساك والتقلب في خبر الامساك والتقلب للوجه المحرم.
واما الاجماع والاخبار الدالة على حرمة بيع نجس العين فيكون أدعاء اختصاصها بما لا يحل الانتفاع المعتد به من الاعيان النجسة، على أنه يمكن منع دعوى المنع من البيع من جهة حرمة الانتفاع، بل لعل المانع نجاسة العين وإن جاز الانتفاع(2).
واما اجماع الايضاح والتنقيح المنقول عن فخر الدين(3) والمقداد(4) فادعى ان قضية التتبع توهنه لان جمعا من اصحابنا صرحوا بجواز اقتناء الاعيان النجسة لبعض الفوائد، وجمعا منهم صرحوا بجواز الانتفاع بالاعيان النجسة، وان نجاستها لاتمنع الانتفاع بها(5).