احکام المتاجر المحرمة-ج1-ص8
ثانيها: حمل المباح في كلامهم على ما كان رجحانه أنقص بالنسبة الى رجحان غيره لا على المباح المصطلح الذي يتساوى طرفاه ذاتاً.
فالمباح ما نقص رجحانه عن غيره وان كان راجحا بحسب ذاته.
وفيه أنه إنما يتوجه على تقدير تخميس القسمة، لان في الاقسام الواجب والمستحب وهما راجحان، فيكون المباح ما نقص رجحانه عن رجحانهما.
واما على تثليث القسمة وجعل اقسام التجارة منحصرة في المحرم والمكروه والمباح، فليس في اقسام التجارة راجح، حتى يجعل المباح ما نقص رجحانه عنه، فلا يتجه هذا الوجه في تثليث القسمة وجعل المقسم التجارةً من حيثية الموضوع كما لا يخفى.
نعم على تخميس القسمة وجعل المقسم التجارةَ من حيث الاكتساب يمكن هذا الوجه، مع انّ من ثلّث القسمة جَعَل المباح من أقسام التجارة.
ثالثها: حمل المباح في كلامهم على المستحب المعارض بمثله مع عدم المرجّح لأحدهما، وذلك كما لو عارض التجارة مستحب آخر مساوٍ لها في الرجحان فانّ المكلف يتخيَرّ حينئذٍ في فعل أي المستحبين، فيكون كل منهما متساوي الفعل والترك حينئذ وإن كان راجحا في نفسه.
وفيه أنه خلاف ظاهر لفظ المباح وخلاف ظاهر الأصحاب، فحملُ المباحِ عليه في كلام الاصحاب مما لا معنى له، فالاولى في توجيه ذلك أنْ يقال: إنُّ نظر من ثلّث القسمة الى الاحكام الناشئة من نفس الموضوع.
ولا إشكال ولا ريب ان التجارة المستحبة على ما في الاخبار هي البيع والشراء والتكسب من غير دخل للتكسب بعين خاصة كالقماش والحبوب والبقول ونحوها؛ لأََنّ مناط الاستحباب هو عدم سؤال الناس وفتح باب الحاجة اليهم والقاء المؤنة عليهم، وهذا مما لا يختلف الحال فيه بين التكسب بالحنطة والشعير أو القماش أو البقول أو غيرها.
فالتكسب بالعين الخاصة مباح وإن كان التكسب – من حيث هو – مستحباً.
وحيث كان نظر من ثلّث القسمة الى الأحكام الناشئة من نفس الموضوع، فلا شك في كون التكسب بغير الحنطة مباحا.
فعدُّ المباح من اقسام التجارة من حيث هذه الحيثية مما لا بأس به فتبصّر.