پایگاه تخصصی فقه هنر

الفقه علی المذاهب الاربعة-ج5-ص2157

فهذه الفئة تجزم بأن السحر هو من باب الخيال، كاللعاب السيمائية التي يقوم بها مهارة الهواة ومن على شاكلتهم، ولكن جمهور العلماء يقولون: إن للسحر حقيقة، وقد تترتب عليه آثار حقيقية، وهؤلاء فريقان: فريق قال: إن الآثار المترتبة عليه محدودة فقد ينقلب بالسحر الحيوان إنساناً، وبالعكس، ولكن قائل هذا، لم يعول عليه. والرأي المعتمد هو الأول. وقد ذكر بعض المحققين: أن السحر صناعة من الصناعات التي يستخدمها الإنسان في إظهار الأمور على غير ما هي عليه في الواقع، وقد يكون لبعض أنواع السحر تأثيرها ما على بعض النفوس أو الأبدان.

هذا هو رأي المحققين من العلماء. على أن الباحث في هذه المسألة يجب عليه أن ينظر إلى الواقع ويجعل للنظر الصحيح قيمته في حكمه، فهل هناك أدلة واقعية تثبت أن السحر قد ترتبت عليه آثار صحيحة، وهل هناك أدلة من الكتاب أو السنة الصحيحة تدل على ذلك(2).

والواقع أن الذين قد شهروا بإتقان السحر هم قدماء المصريين، وهؤلاء قد تحدث عنهم القرآن الكريم فقد اخبرنا بأن فرعون قد جمع من قومه كل سحار عليم، وجاء بهم مجتمعين، فماذا كان من أمرهم؟ إنهم لم يأتوا إلا بخيال لا حقيقة له، كما قال تعالى: يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى

فهذا صريح في أن سحرة فرعون وهم أمهر السحرة لم يأتوا إلا بخيال لا حقيقة له، ولو كان للسحر اثر حقيقي لجاؤوا به في هذا الوقت العصيب، وليس من المعقول أبداً أن يأتي فرعون بكل سحار عنيد في مقام الانتصار لعز شيء عندهم، ثم يكون قصار أمرهم أن يأتوا بخيال لا حقيقة له، وهم عالمون بغيره، والواقع أن هذه الآية تدل دلالة واضحة على أن قصاري أمر السحر هو ذلك الخيال الذي جاء به سحرة فرعون.

فهذه هي حجة الذين يرون أن السحر خيال لا حقيقة له.

أما الفريق الثاني فإنه يحتج بقصة هاروت وماروت الواردة في القرآن الكريم قال تعال: وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحرن وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت

.

ولكن الواقع أن هذه الآية الكريمة لا تصلح حجة لأنها لم تتعرض لحقيقة السحر فقد يكون نوعاً من أنواع الفتنة، أو الحيلة التي يسعى بها بعض النمامين للتفريق بين الزوجين، ولهذا حدثت الآية عن الآثار المترتبة على أعمال هؤلاء، فقد قال تعالى: فيتعلمون منهما ما يقرفون به بين المرء وزوجه