الفقه علی المذاهب الاربعة-ج5-ص1894
الشافعية – قالوا: نصاب السرقة ربع دينار، أو ما يساويه من الدراهم، والأثمان، والعروض، فصاعداً، فالأصل في تقويم الأشياء هو الربع دينار، وهو الأصل ايضاً في الدراهم فلا يقطع في الثلاثة دراهم إلا أن تساوي ربع دينار، واستدل الشافعية على مذهبهم بما أخرجه الشيخان، البخاري، ومسلم، عن طريق الزهري، عن عمرة، عن عائشة رضي الله عنها، ان رسول الله صلى اللّه عليه وسلم قال: (تقطع يد السارق في ربع ديار فصاعداً) متفق عليه ولمسلم عن طريق أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عمرة، عن عائشة رضي الله تعالى عنهم أن رسول الله صلى اللّه عليه وسلم قال: (لا تقطع يد السارق، إلا في ربع دينار فصاعداً) قال الشافعية: فهذا الحديث فاصل في المسألة، ونص في اعتبار ربع الدينار، لا ماسواه، قالوا: وحديث ثمن المجن، وإن كان ثلاثة دراهم. لا ينافى هذا، لأنه اذ ذاك كان الدينار باثني عشر درهماً، فهي ثمن ربع دينار، فأمكن الجمع بهذا الطريق، ويروى هذا المذهب عن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنهم، وبه يقول عمرو بن عبد العزيز، والليث بن سعد، والأوزعي، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور، رحمة الله تعالى عليهم أجمعين. قالوا: والراجح من الآراء ان قيمة المجن ثلاثة دراهم لما ورج من حديث أبن عمر المتفق عليه عند المحدثين، ولأن باقي الأحاديث المخالفة له، لا تساويه في الصحة. وقال أبن العربي: ذهب سفيان الثوري، مع جلالته في الحديثن إلى أن القطع في حد السرقة، لا يكون إلا في عشرة دراهم – كما هو مذهب الحنفية – وذلك ان اليد محرمو بالإجماع، فلا تستباح إلا بما أجمع عليه العلماء، والعشرة متفق على القطع بها عند الجميع، فيستمسك به، ما لم يقع الاتفاق على دون ذلك. الحنابلة – قالوا: إن كل واحج من ربع الدينار، والثلاثة دراهم مراد شرعي، فمن سرق واحداً منهما، أو ما يساويه قطع، عملاً بحديث أبن عمرن وعملاً بحجيث عائشة رضي الله تعالى عنهما، ووفع في لفظ عن الإمام أحمد، عن عائشة رضي الله عنها، ان رسول الله صلى اللّه عليه وسلم قال: (اقطعوا في ربع دينار، ولاتقطعوا فيما هو أدنى من ذلك) وكان ربع الدينار يومئذ يساوي ثلاثة دراهم، والدينار اثني عشر درهماً وفي لفظ للنسائي: (لا تقطع يد السارق، فيما دون ثمن المجن) قيل لعائشة رضي الله عنها وما هو ثمن المجن؟ قالت: ربع دينار) فهذه كلها نصوص دالة على عدم اشتراط عشرة دراهم، والله تعالى أعلم.)
(2) (محل القطع. اتفق الأئمة رحمهم الله تعالى، على أن السارق إذا وجب عليه القطع، وكان ذلك اول سرقة له، وأول حد يقام عليه بالسرقة، وكان صحيح الأطراف فإنه يبدأ بقطع يده اليمنى، مع مفصل الكف، ثم تحسم بالزيت المغلي، وذلك لأن السرقة تقع بالكف مباشرة، والساعد والعضد يحملان الكف كما يحملهما معها البدن، والعقاب إنما يقع على العضو المباشر للجريمة، وإنما تقطع اليمنى أولاً لأن التناول يكون بها في غالب الأحوال، إلا ما شذ عند بعض الأفراد. ولأن الرسول صلوات الله وسلامه عليه فعل ذلك حينما قطع يد المخزومية، وغيرها ممن أقام عليهم حد السرقة، وقراءة عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه تبين الإجمال في آية السرقة، وتوضح المراد من الأيدي، فإنه قرأ، (فاقطعوا أيمانهما) وهذا الحكم بإجماع المة من غير خلاف منهم. فإن عاد وسرق مرة ثانية، ووجب عليه القطع، تقطع رجله اليسرى، من مفصل القدم ويكوى محل القطع بالنار لينقطع نزيف الدم، أو يغمس العضو المقطوع في الزيت المغلي، كما أمر الرسول صلوات الله وسلامه عليه، وكما فعل الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.
فقد روي أن النبي صلى اللّه عليه وسلم امر بقطع يد السارق من الزند، وقال لأصحابه (فاقطعوه واحسموه) ولأنه إذا لم يحسم العضو يؤدي إلى التلف، لأن الدم لا ينقطع إلا به، والاحد زاجر غير متلف، ولهذا لا يقطع وقت الحر الشديد، لأنه يؤذي السارق، ثم اختلف الأئمة فيما إذا عاد وسرق مرة ثالثة، أيقطع ام لا؟