الفقه علی المذاهب الاربعة-ج4-ص1615
وأما كناية الرجعة، فهي كأن يقول لها: تزوجتك، أو نكحتك، فإن هذه الألفاظ صريحة في العقد ولا يمكن استعمالها في الرجعة صريحاً، لأن المطلق رجعياً زوجة، فلا معنى لقوله لها: تزوجتك، أو نكحتك، فكل ما كان صريحاً في باله – ولا يمكن أن ينفذ في الموضوع المستعمل فيه – فإنه يكون كناية، وهذا معنى قولهم: ما كان صريحاً في بابه، ولم يجد نفاذاً في موضوعه كان كناية في غيره، وقد يقال: إنه يصح استعمال تزوجت ونكحت في الرجعة بمعنى أعددتك إلى زواج كامل ونكاح كامل، كما قالوا في رددت زوجتي إلى نكاحي، أي إلى نكاحي الكامل الذي لا ينقطع بمضي العدة، ولعل هذا هو السبب في قول بعضهم: إن لفظ التزويج والنكاح استثني من قاعدة ما كان صريحاً في بابه ووجد نفاذاً في موضوعه لا يكون كناية في غيره، فإن هذا القائل لاحظ أن لفظ التزويج والنكاح يمكن استعمالها في موضوع الرجعة على معنى أنه تزوجها زواجاً كاملاً، وإن كانت زوجة له فلا يصح أن يكون كناية في الرجعة على هذه القاعدة، ولكن الشافعية استثنوا لفظ النكاح والتزويج من هذه القاعدة، فقالوا: إنهما كنايتان، فلا تصح الرجعة بهما إلا بالنية، فالرجعة لا تصح إلا باللفظ، سواء كان صريحاً، أو كناية، ويلحق باللفظ الكتابة فإذا كتب راجعت زوجتي إلى عصمتي ونحوه فإنه يصح، وترجع زوجة له بذلك لأن الكتابة كاللفظ، ومثل الكتابة إشارة الأخرس المفهمة.
فلا تصح الرجعة بالوطء أو بمقدمات الوطء، سواء نوى به الرجعة أو لم ينو، لأنه لا يدل على الرجعة إلا وطء الكافر، فإنه إذا كان الرجعة عندهم فإننا نقرهم عليه، ويحرم على المطلق رجعياً أن يتمتع بمطلقته قبل أن يراجعها باللفظ لا بوطء ولا بغيره، فإن وطئها كان عليه مهر المثل، لأنه وطء شبهة، لأن الحنفية يقولون بجوازه، وإن راجع بعده لأن فيها تحريم الوطء كالبائن هكذا في المهر، بخلاف ما إذا وطئها وهو مرتد ثم أسلم، فإنه لا مهر عليه، لأن الإسلام يزيل أثر الردة، أما الرجعة فلا تزيل أثر الطلاق.
وإذا وطئها في أثناء العدة فإنها تبتدأ العدة من الفراغ من الوطء بحيث لو لم يراجعها فإنها لا تحل لغيره حتى تحيض ثلاث حيض بعد فراغه من وطئها أو يمضي عليها أربعة أشهر إن كانت لا تحيض من ابتداء الفراغ، ولا يحسب لها ما مضى، أما إذا أراد مراجعتها هو فإنه ليس له أن يراجعها إلا فيما بقي لها من العدة الأولى، مثلاً إذا حاضت حيضتين بعد طلاقها رجعياً، ثم وطئها بدون رجعة، فبعد الفراغ من وطئها تبتدئ عدة جديدة، فلا تحل لغيره حتى تحيض ثلاث حيض أخرى غير الحيضتين، أما هو فإنه ليس له مراجعتها إلا في المدة الباقية لها، وهي الحيضة الأخيرة.
هذا إذا لم تكن حاملاً، فإذا كانت حاملاً أو أحبلها بالوطء، فإن عدتها وضع الحمل على كل حال، وله أن يراجعها ما لم تلد.
الشرط الثاني من شروط الصيغة: أن تكون منجزة، فإذا علقها على أمر ووقع، فإنها لا تصح، مثلاً إذا قال لزوجته: راجعتك إن شئت فقالت: شئت، فلا تصح الرجعة.
الشرط الثالث: أن لا تكون مؤقتة بوقت،فإذا قال لها: راجعتك شهراً لم تحصل الرجعة.
الحنابلة – قالوا: يشترط في المرتجع أن يكون عاقلاً، ولو صبياً مميزاً حراً كان أو عبداً، فإذا طلقها وهو عاقل ثم جن فلوليه أن يراجع عنه، ولا تصح رجعة المرتد قبل توبته، كما لا يصح تزويجه ذكراً أو أنثى، وإذا طلق في أثناء ردته كان طلاقه موقوفاً، فإن أسلم وقع طلاقه وإن لم يسلم لم يقع، لأنه لم يصادف محلاً، فإن الردة تفسخ النكاح.