الفقه علی المذاهب الاربعة-ج4-ص1606
(1) (الحنفية – قالوا: إن ركن الرجعة هو الصيغة وحدها، وأما المحل، والمرتجع فهما خارجان عن الماهية، ثم الصيغة عندهم قسمان: قول، وفعل، والقول إما صريح، أو كناية، فالصريح هو كل ما يدل على الرجعة وإبقاء الزوجية، ونحو: راجعتك، وراجعتك، وراجعتك، إذا كان مخاطباً لها، فإن لم يكن مخاطباً لها، سواء كانت حاضرة أو غائبة، قال: رجعت زوجتي، أو امرأتي الخ، ومن الصريح رددتك، ومسكتك، وأمسكتك. وهذه الألفاظ تحصل بها الرجعة وإن لم ينو، إلا أنه يشترط في الرجعة بقوله: رددتك، أن يقول: إلى أو إلى نكاحي أو إلى عصمتي فإن لم يقل ذلك لا يكون صريحاً في الرجعة. بل يكون كناية يتوقف على النية، وذلك لأن رددت يحمل رد زواجها فلم يقبلها. ويحتمل رجعتها إليه، فإذا صرح بكلمة إليه، أو إلى عصمته، فقد رفع الاحتمال، ومن الصريح أن يقول لها: نكحتك، أو تزوجتك، وأما الكناية فهي مثل أن يقول لها: أنت عندي كما كنت، أو أنت امرأتي أو أصبحنا من الآن كما كنا، أو نحو هذا، فإن نوى بهذه الألفاظ الرجعة فإنه يصح وإلا فلا، أما الفعل فقد تقدم أنه كل فعل من الزوج أو الزوجة يوجب حرمة المصاهرة من لمس، أو تقبيل، أو نظر إلى داخل الفرج، ويشترط في ذلك الشهوة، فإن فعل أحد الزوجين مع الآخر شيئاً من هذا بدون شهوة فإنه لا تتحقق به الرجعة، على أن المرأة إذا قبلته، أو نظرت إلى فرجه، أو نحو ذلك بدون أن يشتهي هو فلا بد أن تقول: إنها هي فعلت بشهوة، ولا بد أن يصدقها، أما إذا قال: إنها لم تفعل بشهوة فلا تصح الرجعة إلا إذا قامت قرينة على كذبه وصدقها، أما إذا قبلته فانتشر، أو عانقها وقبل فاها، أو أمسك ثديها. أو نحو ذلك من الأمارات التي تدل على أنه التذ، فغن حصل شيء من ذلك ومات الزوج وادعى الورثة أنها فعلت معه بدون شهوة، فلم ترجع زوجة له وادعت هي أنها فعلت بشهوة، فإن ادعت أنه قد اشتهى هو فإن بينتها على ذلك تسمع، ولا تثبت الرجعة بالنظر إلى الدبر بشهوة إجماعاً، لأنه لا تثبت بذلك حرمة المصاهرة، وهل الوطء في الدبر رجعة أو لا؟ فبعضهم يقول: إنه ليس برجعة، ولكن الصحيح أنه رجعة، لأن فيه المس بشهوة، كما لا يخفى. وإنما لم تثبت به حرمة المصاهرة مع كونه فيه مساً لأنك قد عرفت في مبحثه أن حرمة المصاهرة تثبت بالوطء في الفرج وبالمقدمات المفضية إلى الوطء في الفرج، فإذا وطئها في الدبر ظهر أنه لا يقصد وطأها في الفرج فمقدمات الوطء في الدبر لا قيمة لها بخلافه هنا. فإن الغرض المس بشهوة مطلقاً، وقد تحققت، ولا تصح الرجعة بالخلوة بدون تلذذ، وكما تحصل الرجعة بمقدمات الوطء المذكورة تحصل بالوطء من باب أولى، والوطء كمقدماته جائزان للزوج المطلق طلاقاً رجعياً سواء نوى بهما الرجعة أو لا. ولكن الأولى أن يراجعها بالقول، وأن يشهد على ذلك عدلين ولو بعد الرجعة بالفعل، وإذا راجعها وهي غائبة يندب له إعلامها، وهذه هي الرجعة السنية وأما الرجعة بالوطء ومقدماته فإنها بدعية فإن راجع بها ندب له أن يرجع بالقول ويشهد على قوله وإلا كان مكروهاً تنزيهاً. كما عرفت. وإنما حل وطء المطلقة رجعياً والتلذذ بها، لأن ملك العصمة باق من كل وجه ولا يزول إلا عند انقضاء العدة، كما بيناه. فإن قلت: إذا كانت الزوجية قائمة من كل وجه، فما بالكم قلتم: إنه لا يصح للزوج أن يسافر بزوجته المطلقة طلاقاً رجعياً قبل مراجعتها؟ قلت: إن ذلك ثبت بالنص، وهو النهى عن خروج المطلقة مطلقاً من منزلها، قال تعالى: لا تخرجوهن من بيوتهن
، والنهى عن الإخراج مطلقاً شمل الإخراج من أجل السفر.
ويشترط للرجعة شرط واحد، وهو أن تكون الزوجة مطلقة طلاقاً رجعياً، بحيث لا يكون ثلاثاً في الحرة ولا ثنتين في الأمة. أو واحدة مقترنة بعوض مالي في الخلع، أو موصوفة بصفة تنبئ عن الإبانة. كطلقة شديدة أو مشبهة بما يفيد الإبانة كطلقة مثل الجبل، أو تكون كناية من الكنايات التي يقع بها الطلاق البائن، أو واحدة قبل الدخول.
والحاصل أن الطلاق البائن، هو الطلاق الثلاث، والطلاق الواحد بعوض مالي، والطلاق الواحد الموصوف أو المشبه بما يشعر بالإبانة على الوجه المتقدم في وصف الطلاق، والكنايات التي يقع بها الطلاق البائن، بخلاف الكنايات التي يقع بها الرجعي، وقد تقدم بيانهما في مبحث الكنايات بالإيضاح التام، والطلاق قبل الدخول، أما الطلاق الرجعي فهو ما ليس كذلك وهو الذي تصح فيه الرجعة، ثم إن الرجعة تصح من المجنون بالفعل، مثلاً إذا طلق زوجته طلاقاً رجعياً، وهو سليم، ثم جن فله مراجعتها بالوطء أو بالتقبيل، أو نحو ذلك، وكذلك تصح رجعة النائم والساهي والمكره، فإذا قبلها بشهوة وهي مكرهة فقد راجعها بذلك، وكذا إذا كانت جالسة متكئة وأمكنه أن ينظر إلى داخل فرجها بشهوة، فإن ذلك يكون رجعة ولو لم تعلم، وكذا إذا نظرت إلى ذكره بشهوة بدون علمه فإنه يكون رجعة، وتصح أيضاً مع الهزل، واللعب، والخطأ، بأن أراد أن يقول لأخته: اسقني الماء فجرى لسانه يقول: راجعت زوجتي، نعم يشترط في صحة الرجعة أن لا يعلقها على شرط، كأن يقول: إن دخلت الدار قد راجعتك وكذا يشترط أن لا يضيفها إلى وقت في المستقبل كأن يقول: إذا جاء الغد فقد راجعتك، فإذا قال ذلك فإنه لا يكون رجعة باتفاق، على أنهم يعدون ذلك من أحكام الرجعة ويمكن عده في الشروط وكذا لا يصح شرط الخيار في الرجعة، فإذا قال لها: راجعتك على أني بالخيار، فإن الرجعة لا تصح، وعلى هذا يمكن أن يقال: إن شروط الرجعة أربعة: أحدها: أن يكون الطلاق رجعياً فلا رجعة من الطلاق البائن. ثانيها أن لا يشترط فيها الخيار. ثالثها: أن لا يضيفها إلى زمن. رابعها: أن لا يعلقها على شرط ثم إنه يشترط في الرجعة خمسة شروط، وهي:
– 1 – وأن لا يكون ثلاثاً.
– 2 – وأن لا يكون واحدة بعوض، سواء كان بلفظ الخلع ونحوه، أو بلفظ الطلاق.