الفقه علی المذاهب الاربعة-ج4-ص1603
-الرجعة – بفتح الراء – وروي كسرها أيضاً، ولكن بعض اللغويين أنكر الكسر، وهي اسم للمرة من الرجوع، ولعل هذا هو السبب في إنكار ورودها بالكسر، لأنها بالكسر اسم للّهيئة، كما قال ابن مالك، وفعلة لمرة – كجلسة – وفعلة لهيئة كجلسة – ولا يعقل أن تكون هنا اسم لهيئة الرجوع، ولكن المدار في هذا على السماع، فإذا سمع استعمالها بالكسر في المرة فإنه يكون صحيحاً لغة، وإن خالف القاعدة المذكورة، وقد نقل بعض أئمة اللغة أن استعمالها بالكسر في المرة أكثر من الفتح، أما فعلها، وهو – رجع – فيأتي لازماً ومتعدياً، فيقال: رجع الشيء إلى أهله ورجعته إليهم، وعلى الأول يكون على وزن جلس، فيقال: رجع زيد إلى أهله يرجع رجوعاً، والرجعي بمعنى الرجوع بالضم، ويقال: رجعى – بالكسر – لرجعة امرأته، والمرجع مصدر ميمي، بمعنى الرجوع أيضاً، وهو شاذ، لأنه مصدر فعل يفعل، كقطع يقطع، والمصدر الميمي من فعل يفعل – بالفتح – يكون مفتوح العين، وعلى الثاني يكون على وزن قطع، فيقال: رجع زيد الشيء إلى أهله يرجعه رجعه رجعاً، كقطع الشيء يقطعه قطعاً، فتحصل أن مصدر رجع اللازم الرجوع، والرجعى – بالضم والكسر – والمصدر الميمي المرجع ومصدر رجع المتعدي الرجع – بالفتح – كالقطع، وأن الرجعة – بفتح الراء، وكسرها – في اللغة اسم للمرة من الرجوع، سواء رجع من طلاق أو من طريق أو غيرهما، وأما معناها في اصطلاح الفقهاء، ففيه تفصيل المذاهب (1).
————————–
(1) (الحنفية – قالوا: الرجعية هي إبقاء الملك القائم بلا عوض في العدة، فقوله: إبقاء الملك معناه أن ملك عصمة الزوجة يحتمل الزوال بالطلاق الرجعي إذا انقضت العدة، فالرجعة من الطلاق رفع لذلك الاحتمال، وإبقاء لذلك الملك واستدامة له، ولذا قال: الملك القائم، لأن ملك العصمة قائم بالطلاق الرجعي لم ينقطع، وقوله تعالى: وبعولتهن أحق بردهن
معناه وأزواجهن أحق برجعتهن، فالرد معناه الرجعة، وهي إبقاء الملك القائم، وليس معناه رد الملك الزائل، كما قد يتبادر من الرد يقال على الشيء الذي انعقد زوال ملكه، وإن لم يزل بالفعل، فالطلاق الرجعي سبب في زوال الملك لا حالاً، بل بعد انقضاء العدة، فالرد إبقاء للملك الذي لم يزل بعد، فلا فرق بين قوله: رد الملك القائم، وقوله: إبقاء الملك القائم، قوله: في العدة معناه أن الجعة لا تتحقق إلا إذا كانت العدة باقية لم تنقض، والمراد عدة المدخول بها حقيقة، فإذا طلق امرأته التي وطئها طلاقاً رجعياً، فإن له حق الرجعة مادامت في العدة، أما إذا طلقها بعد الخلوة بدون وطء فإنها تعتد، ولكن لا يكون له عليها حق الرجعة بل تبين منه كما لو كانت غير مدخول بها بالمرة، ولو لمسها، أو قبلها، أو نظر إلى فرجها الداخل بشهوة، وذلك لأن عدة الخلوة شرعت للاحتياط، فليس من الاحتياط أن تعتبر المرأة غير المدخول بها حقيقة كالمدخول بها في الطلاق الرجعي، بل الاحتياط أن تعتبر غير مدخول بها، فيكون طلاقها بائناً.
وبهذا تعلم أن الطلاق الرجعي سبب في زوال الملك بعد العدة، فالرجل يملك الزوجة ما دامت في العدة ملكاً تاماً، فيحل له أن يستمتع بها بدون نية رجعة مع الكراهة التنزيهية، فإذا فعل معها فعلاً يوجب حرمة المصاهرة من لمس بشهوة، أو تقبيل، أو نظر إلى داخل فرجها بشهوة، أو نحو ذلك مما تقدم، فإن ذلك يكون رجعة ولو لم يقصد به الرجعة، وكذا إذا فعلت معه ذلك، كأن قبلته بشهوة، أو نظرت إليه، أو نهو ذلك مما يأتي.