الفقه علی المذاهب الاربعة-ج3-ص923
الحنابلة – قالوا: المزارعة هي أن يدفع صاحب الأرض الصالحة للزراعة أرضه للعامل الذي يقوم بزرعها ويدفع له الحب الذي يبذره أيضاً على أن يكون له جزء مشاع معلوم من المحصول، كالنصف والثلث. فلا يصح أن يعين له إردَبّاً أو إردَبّين أو نحو ذلك. ومثل ذلك ما إذا دفع له أرضاً بها نبت ليقوم بخدمته حتى يتن نموه ويكون له نظير ذلك جزء معين شائع من ثمرته فإن ذلك يسمى مزارعة أيضاً.
فالحنابلة يقولون بجواز المزارعة بالصورة التي يقول بها صاحبا أبي حنيفة إلا أنهم يخصون المالك بدفع الحب.
ومنا هذا تعلم أن الحنابلة يقولن بحل تأجير الأرض المعلومة مدة معينة ببعض ما يخرج منها كثلث غلتها ونصفها سواء كانت غلتها طعاماً كالقمح والشعير أو غير طعام كالقطن و الكتان وحكم الإجازة والمخارة كالمزارعة في المعنى الشرعي.
ثم إن الأصل في جوازها هو السنة الصحيحة، فمنها ما روى ابن عمرقال: عامل النبي صلى اللّه عليه وسلم أهل خيبر بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع. متفق عليه.
المالكية – قالوا: المزارعة شرعاً هي الشركة في العقد، وتقع باطلة إذا كانت الأرض منطرف أحد الشريكين وهو المالك والبذر والعمل والآلات من الشريك الثاني كما يقول الحنابلة والصاحبان. فما يفعله ملاك الأراضي الصالحة للزراعة في زماننا من إعطاء أرضهم لمن يزرعها وينفق عليها على أن يأخذوا نصف المتحصل من غلتها أو يأخذوه ويأخذوا معه نقوداً كأن يسلموا فداناً للعامل ويأخذوا منه ثلاثة جنيهات مثلاً ونصف ما يتحصل من زرع الفدان، فإنه غير جائز عند المالكية؛ لأنه يكون تأجيراً للأرض أو بعضها بما يخرج منها وهو ممنوع عندهم.
فالمزارعة التي تجوز هي أن تجعل للأرض قيمة أجرتها من النقود أو الحيوان أو عروض التجارة، كأن يقال إن أجرة هذا الفدان تساوي أربعة جنيهات: أو تساوي ثلاثة ثيران، أو تساوي ثوباً من القماش. ولا يجوز تقويم الأرض بغلة أو قطن أو عسل إذ لا يصح تأجير الأرض عندهم بالطعام ولا بما تنبته كما يأتي في الإجارة.
فإذا علمت أجرة الأرض فيقوم العمل بأن يجعل له قيمة، وكذلك تقوم آلات الزراعة، فإذا دفع المالك الأرض وكانت قيمة أجرتها خمسة جنيهات فإنه يصح للعامل أن يحسب قيمة عمله وقيمة نفقات الزرع ويجعلها في مقابل أجرة الأرض بما يخرج منها فالبذر يكون على كل واحد من الشريكين أن مناصفة فإذا بينت أجرة الأرض قيمة أجر العمل وآلات الزرع، كان لكل واحد من الشريكين أن يأخذ من الربح بنسبة ما دفعه فإن كانت قيمة الأرض خمسة وقيمة الآلات والعمل خمسة كان لكل واحد منهما نصف الربح، وعلى هذا القياس، فإذا اشترط أحدهما أن يأخذ أكثر مما يخصه فسدت.