پایگاه تخصصی فقه هنر

الفقه علی المذاهب الاربعة-ج2-ص916

وللدائنين أن يلازموا المدين فيذهبوا معه حيث ذهب، ولكن ليس لهم منعه من السفر ولا حبسه بمكان خاص وللقاضي أن يحبس المدين بدينه في كل دين التزمه بعقد كالمهر والكفالة فإذا حبسه شهرين أو ثلاثة أشهر ولم يظهر له مال في خلال ذلك فإنه يطلق سراحه، وإن أقام البينة على أن لا مال له خلى سبيله لقوله تعالى: وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة

وتقبل البينة على الإعسار بعد الحبس فيطلق القاضي سراحه إذا شهد الشهود بأنه معسر.

ولا يضرب المحبوس بالدين، ولا يغل بقيد، ولا يخوف، ولا يجرد؛ ولا يكلف بالوقوف بين يدين صاحب الدين إهانة له، ولا يؤجر، ولكن يقيد إذا خيف هربه، ولا يخرج المدين لجمعة، ولا عيد، ولا حج، ولا لصلاة مكتوبة، ولا لصلاة الجنازة، ولا عيادة مريض ويحبس في موضع وحش لا يبسط له فرش ولا يدخل عليه أخذ ليستأنس به، وكفى بذلك زجراً للناس عن الديون والتورط فيها، لأن شريعتنا السمحة تجعل لصاحب الدين سلطاناً على المدين في هذا الموقف الحرج. وقد عرفت أن هذا هو المختار المفتى به من مذهب الحنفية، أما الإمام فإنه يقول: لا يحجر على الحر البالغ بسبب الدين وإن استغرق كل ماله وطلب الغرماء الحجر عليه، ويعمل الحجر فيه شيئاً فيصح أن يتصرف في ماله بجميع أنواع التصرف.

ومثل الحجر بسبب الدين: الحجر بسبب الغفلة، والغفلة هي: كون الشخص لا يتهدي إلى التصرفات الرائجة في بيعه وشرائه فيغير فيهما لسلامة قلبه وهي غير السفه، لأن السفيه هو المفسد لماله بالقصد والاختيار لتغلب الشهوات الفاسدة عليه واتباعه الغي والهوى أما ذو الغفلة “المغفل” فهو لا يفسد ماله قصداً ولا ينقاد لشهواته، ولكنه يخدع بسهولة فيستطيع الناس أن يغبنوه في ماله وليس هو المعتوه؛ لأن المعتوه يخلط في كلامه. وقد عرفت أن الإمام لا يرى الحجر على مثل هذا أيضاً.

الشافعية – قالوا: يحجر على المدين بسبب الدين إن كان الدين أكثر من ماله، أما إن كان ماله أكثر أو مساوٍ فإنه لا يصح الحجر عليه، ولا يحجر إلا إذا طلب الغرماء الحجر كلهم أو بعضهم، أو طلب هو الحجر على نفسه “كالمفلس الذي يشهر إفلاسه” ولا يصح الحجر إلا إذا حل الدين، أما إذا كان باقياً عليه مدة فإنه لا يصح.

ومتى طلب الغرماء الحجر فإنه يجب على القاضي أن يحجر على المفلس حالاً. ومتى حجر عليه تعلق حق الغرماء بماله وصار ممنوعاً من التصرف فيه، فيبطل تصرفه من بيع وهبة ونحوهما حتى يقبض دينه.