الفقه علی المذاهب الاربعة-ج2-ص870
وأما الذي غرره غير شديد كالثمر قبل ظهور صلاحه فلا خلاف في جواز رهنه، فإذا رهن الثمرة قبل بدو صلاحها فإنه ينتظر بدو صلاحها ثم يبيعها في الدين. وإذا مات الراهن أو أفلس قبل ظهور الصلاح وكان عليه دين لغير المرتهن وعنده مال آخر غير المرهون، فإن للمرتهن أن يتشرك مع الغرماء بجميع دينه في المال الذي تركه غير المرهون، لأن الدين متعلق بالذمة لا بالعين المرهونة وما دامت غير صالحة ووجد ما يفي لغيره من أرباب الديون فإن له الحق أن يسترك معهم في ذلك، حتى إذا ظهر صلاح الثمرة بيعت واختص بثمنها إن وفى دينه ورد ما أخذه أولاً وإن زاد رد الزيادة، وإن نقص استوفى ماله؛ والفرق بين حالة البيع وحالة الرهن: أن المالك له أن يقرض ماله، أو بيعه لأجل بدون أن يرهن شيئاً أصلاً، فيصح له أن يرهن شيئاً محتمل الوجود والعدم لأنه خير من لا شيء على كل حال. ويشترط أن يكون الدين عيناً، فيصح رهن الدين بالدين، سواء كان للمدين نفسه أو لغيره. ويشترط في رهن الدين للمدين: أن يكون أجل الدين الذي جعل رهناً أبعد من أجل الدين الذي هو سبب في الرهن أو مساوياً له. فإن كان أقرب منه فإنه لا يصح. مثاله: أن يشتري شخص من آخر قمحاً مثلاً بمائة جنيه بثمن مؤجل إلى ثلاثة أشهر. أو كان للمشتري على البائع دين اقترضه منه، أو اشترى به سلع ويحل دفعه بعد ثلاثة أشهر أو أربعة، فإنه يصح أن يجعل الدين الذي له رهناً في الدين الذي عليه. أما إن كان الدين له وهو ما جعل رهناً أجله أقرب أو حل فإنه لا يصح جعله رهناً، لأنه بعد حلول أجله يكون بقاؤه عند المدين سلفاً في نظير بيعه القمح، واجتماع بيع وسلف “باطل لما يجر إليه من الربا”.
أما رهن الدين بغير المدين وهو ما إذا كان لزيد مائة جنيه على عمرو، وكان لعمرو مائة على خالد، فإنه يصح لعمرو أن يرهن ماله من الدين على خالد لزيد في دينه الذي عليه، وذلك بأن يسلم عمراً وثيقة الدين على خالد حتى يقبضه دينه.
ولا يشترط في صحة الرهن أن يكون المرهون مقبوضاً كما لا يشترط القبض في انعقاده ولزومه، فيصح الرهن وينعقد ويلزم وإن لم يقبض المرتهن المرهون، بل يتحقق الرهن بالإيجاب والقبول، فليس للراهن أن يرجع بعد ذلك، وعلى المرتهن أن يطالب بالقبض.
ولا يشترط أن يكون المرهون غير مشاع، بل يصح رهن المشاع كما تصح هبته وبيعه ووقفه سواء كان عقاراً، أو عروض تجارة، أو حيواناً، فإذا كان لشخص دين على آخر فله أن يرهنه جزءاً مشاعاً من داره مقابل ذلك الدين ولو كانت الدار ملكاً للراهن، كما أن له أن يرهنه نصيبه المشاع في دار له شريك فيها إلا أنه إذا رهن جزءاً شائعاً من دار يملكها جميعها. فإن المرتهن يضع يده عليها كلها، لأن الراهن لو وضع يده معه لكانت يده ممتدة إلى الجزء الشائع أيضاً فيبطل الرهن، لأن من شروط صحته أن لا يكون للراهن عليه يد.
ولا يشترط أن يستأذن الراهن شريكه في رهن نصيبه إنما يندب له ذلك، كما أن لشركيه الحق في أن يقسم ولكن بإذن الراهن، وله أنيبيع بدون إذنه.
ويصح رهن المستعار كأن يستعير شخص من آخر عيناً ليرهنها في دين عليه، فإن وفى المستعير دينه رجعت العين المستعارة لصاحبها، وإلا بيعت في الدين المرهونة بسببه، ورجع صاحبها وهو المعير بقيمة العين على الذي استعارها، وتعتبر القيمة يوم إعارتها، وإذا استعار سلعة على أن يرهنها في ثمن قمح فرهنها في ثمن لحم كان عليه ضمانها لتعديه بمخالفته لما وصفه لصاحبها، وللمعير أن يأخذها من المرتهن وتبطل العارية.
ويصح رهن الشيء المستأجر عنده من استأجره له قبل مضي مدة الإجارة، فإذا استأجر داراً من شخص لمدة سنة ثم رهنها منه قبل مضي تلك المدة فإنه يصح، ووضع يده عليها أولاً يعتبر قبضاً لها.