الفقه علی المذاهب الاربعة-ج2-ص707
فأما نذر التبرر فيفترض وفاءه بقسميه، وعلى الناذر أن يفعل ما التزمه عيناً لكن على التراخي إن لم يقيده بوقت معين في النذر غير المعلق، وأما في النذر المعلق فإنه يجب الوفاء به عند وجود المعلق عليه على التراخي لا على الفور أيضاً، ويشترط لصحة نذر التبرر شروط: منها ما يتعلق بالناذر وهي الإسلام فلا يصح من الكافر، لأنه مناجاة للّه فأشبه العبادة، بخلاف نذر اللجاج فإنه لا يشترط فيه الإسلام والاختيار فلا يصح من المكره، وأن يكون نافذ التصرف فيما ينذر، فلا يصح من غيره كالصبي والمجنون بخلاف السكران فإنه نذره صحيح، ومثل الصبي والمجنون المحجور عليه لسفه، فإنه إذا نذر مالاً فإنه لا يصح. أما إذا نذر قربة بدنية كصلاة وصوم فإنها تصح، وكذلك المحجور عليه بفلس فإنه لا يصح نذره في القرب المالية العينية، أما القرب المالية التي في الذمة فإنه يصح نذره فيها.
ومنها ما يتعلق بالمنذور فيشترط فيه كونه قربة لم تتعين بأصل الشرع، سواء كانت نفلاً أو فرض كفاية، فالأولى كقراءة سورة معينة وطول قراءة صلاة، والثانية كصلاة جنازة وجماعة في الفرائض. وكذا في النوافل التي تسن فيها الجماعة، فإن نذر هذه الأشياء صحيح، فخرج ما ليس قربة أصلاً كالحرام والمكروه والمباح.
أما الحرام فإنه لا يصح نذره لكونه معصية، وفي الحديث الصحيح: “لا نذر في معصية اللّه. ولا فيما لا يملكه ابن آدم”. ولا فرق في نذر المعصية بين أن يعلق النذر على المعصية وإن كان هو في ذاته طاعة كقوله: علي نذر كذا من الصلاة إن قتلت فلاناً، أو يكون المنذور نفسه معصية كقوله: للّه علي أن أشرب الخمر، وكذا لا فرق المعصية بين أن تكون فعلاً كما ذكر، أو تكون تركاً كنذر ترك الصلوات الخمس، أو الزكاة ونحو ذلك. فإن النذر في كل ذلك لا ينعقد، وتشمل المعصية ما كانت لذاتها، أو كانت لعارض كالصلاة في الأرض المغصوبة فإنها تحرم، ونذرها لا ينعقد على الصحيح، وكذا نذر الصلاة في الأوقات المكروهة.
وأما المكروه فإنه ينقسم إلى قسمين أيضاً: مكروه لذاته كالالتفات في الصلاة، ومكروه لعارض كصوم يوم السبت أو الجمعة أو الأحد، فالمكروه لعارض يصح نذره، وينعقد، أما المكروه لذاته، فقيل ينعقد نذره ويلزم الوفاء به، وقيل لا ينعقد نذره إلا إذا كان قادراً عليه، بحيث لا يخشى منه ضرراً أو فوت حق وغلا كان مكروهاً، فلا ينعقد، ولا يلزم الوفاء به.
وأما المباح فإنه ينقسم إلى قسمين: الأول أن يقول: لا آكل لحماً أو أمشي ميلاً، أو أشرب لبناً، واختلف في هذا فقيل تلزمه كفارة يمين إن لم يفعل المنذور. وقيل لا يلزمه شيء وهو الراجح لأنه لم ينعقد نذره، الثاني أن يكون نذره مشتملاً على حث، أو منع، أو تحقيق خبر، أو كان فيه إضافة إلى اللّه تعالى كأن قال: إن لم أدخل الدار، أو إن كلمت زيداً، أو إن لم يكن الأمر كما قلت، فللّه علي كذا، ويقول ابتداء: للّه علي أن آكل الفطير مثلاً فإنه في هذه الحالة تلزمه كفارة يمين، أو فعل المنذور عليه بلا خلاف، أما نذر الفرض العيني فلا ينعقد كنذر صلاة الظهر مثلاً لأنه لازم بأصل الشرع، أما حكم نذر اللجاج فالناذر فيه مخير بين أن يفعل المنذور أو يفعل كفارة يمين.