پایگاه تخصصی فقه هنر

الفقه علی المذاهب الاربعة-ج2-ص699

وهو أن كل عقد ترجع حقوقه المترتبة عليه على من يباشره ويستغني الوكيل فيه عن نسبته للموكل، فإن الحالف لا يحنث فيه بفعل مأموره، وذلك كالبيع والشراء، والإيجار والاستئجار والصلح عن مال، والقسمة، وقد اختلف في المخاصمة أو الجواب على الدعوى فإنها من العقود التي لا يحنث الأمر فيها بفعل مأموره كالبيع ونحوه، وقيل: إنه يحنث لأنها من العقود التي لا يستغني فيها عن ذكر الموكل، لأن الوكيل يقول: أدعي لموكلي. ولكن المفتى به أن الآمر لا يحنث بفعل مأموره في المخاصمة. ومثل هذه العقود الفعل الذي تقتصر أصل الفائدة فيه على محله، كما إذا حلف لا يضرب ولده فأمر وكيله بضربه فإنه لا يحنث، لأنه فائدة الضرب مقصورة على فائدة الولد وهي تأديبه، ولكنه لا يحنث في مثل هذا إذا لم يكن العرف على خلافه، فإن كان العرف على أن ضرب المأمور ينسب إلى الآمر كما يقول الأب لابنه: غداً أعطيك “علقة” ثم يذهب لمؤدبه فيضربه بأمره فينسب الضرب للأب، ويقال: إن الأب ضرب ابنه، فإنه في هذه الحالة إذا حلف لا يضرب ابنه فأمر مؤدبه بضربه فإنه يحنث، لأن ضرب المؤدب منسوب إليه، وكذلك سائر العقود المذكورة إن كان الحالف بها ذا سلطان لا يباشر بنفسه فإنه يحنث إذا فعلها بنفسه أو بوكيله عملاً بالعرف.

فهذه هي العقود التي لا يحنث فيها الآمر بفعل المأمور.

أما العقود التي لا ترجع حقوقها المترتبة عليها على من يباشرها بل ترجع على الآمر بها يحنث بفعل وكيله كما يحنث بفعل نفسه، وهي ما عدا العقود التي ذكرت آنفاً. ومنها النكاح فإن الحقوق المترتبة عليه ترجع للآمر، فهو الذي يطالب بالمهر والنفقة والقسم وكل حقوق الزوجية المترتبة على العقد، ولهذا ينسب الشخص المباشر إلى الآمر به فيقول: زوجت موكلي من فلانة ولا يحنث إلا بالعقد “الصحيح” أما الفساد فلا يحنث به مطلقاً.

ومنها الاستقراض “وهو أن يطلب شخص من آخر قرضاً” فإذا حلف لا يستقرض شيئاً ثم أرسل إلى رجل رسولاً يستقرض له منه كذا من الدراهم فقال له: إن فلاناً يشتقرض منك كذا فإنه يحنث ولو لم يقرضه. أما إذا قال له الرسول: أقرضني كذا فإنه لا يكون استقراضاً بل يكون قرضاً للرسول، ولهذا يصح التوكيل في القرض وفي قبضه كأن يقول له: أقرضني كذا ثم يوكل عنه من يقضيه. أما الاستقراض فإنه لا يصح التوكيل فيه، بل يكون الرسول معبراً فقط، لأنه يقول للمرسل إليه: إن فلاناً يستقرض منك كذا فلا بد في الاستقراض من نسبته إلى الآمر. وإذا أقرضه يكون المال للمرسل، فإذا ضاع من الرسول كان المرسل ضامناً له بخلاف القرض، فإنه يكون ملكاً للوكيل وله أن يمنعه عن الأمر فلهذا يحنث في صورة الاستقراض لا في صورة القرض.

ومنها الهبة، فإنه إذا حلف لا يهب لفلان كذا، أو حلف لا يهب هذا الشي بخصوصه، أو حلف لا يهب وأطلق فإنه يحنث إذا وهب بنفسه. أو وكل عنه من يهب. سواء قبل الموهوب له أو لم يقبل، قبض أو لم يقبض، وسواء كانت الهبة صحيحة أو لا، وكذا إذا حلف ليهبن لفلان كذا فوهبه إياه فإنه يبر وإن لم يقبل الموهوب. ويشترط في الحنث في المثال الأول والبر في المثال الثاني: أن يكون الموهوب له حاضراً، فلو وهب الحالف لغائب لا يحنث على أي حال. وإذا لف لا يهب هذا الشيء لفلان ثم وهبه له على عوض فإنه يحنث، أما إذا وكل أحداً فوهبه له على عوض فإنه لا يحنث.