زبدة البیان فی احکام القرآن-ج1-ص607
والطلاق والخلع وأحكامها أي أوامر الله ونواهيه ” فلا تعتدوها ” فلا تجاوزوها بالمخالفة والعمل بخلافها ” ومن يتعد حدود الله ” فإن من يتجاوزها ” فاولئك هم الظالمون ” أي يظلمون أنفسهم بأن يوقعوها في العذاب الشديد من الله تعالى في الآخرة بل في الدنيا أيضا بالحبس والتعزير والحدود، إذا كان مما يوجبها.
ثم اعلم أن صريح الآية عدم أخذ شئ من مهورهن بل جميع ما اعطين من المهر والنفقة والعطايا، فدلت على لزوم الهبة للزوجة، وعدم استرجاع الثياب التي أعطوها للكسوة، وإن بقيت جددا وطلقنا، إلا عوض الخلع فتأمل.
ثم إن ظاهرها يفيد جواز الاخذ بحصول خوف عدم إقامة الحدود من الجانبين فيكون التباغض من الجانبين، وليس ذلك بشرط في الخلع بل في المباراة إلا أن تحمل على أنه يخاف الزوج من أنها لو خرجت عن موجبات الزوجية والشرع يخرج هو أيضا ولكن ذلك أيضا غير شرط في الخلع عند الاصحاب كما هو المذكور في محله، بل الشرط ظهور بغض الزوجة فقط، مثل أن تقول لا أغتسل لك من جنابة أو لادخلن على فراشك من تكرهه، وأمثاله فتحمل حينئذ على المبارات لا الخلع.
ثم إن ظاهرها عدم إثم المرأة أيضا مع أنها آثمة لو لم يكن من جانب الزوج ما يوجب بغضها من الاخلال بلوازم الزوجية، ويمكن أن يقال إنما نفي الاثم في إعطاء المهر لتخليص نفسها من الاثم، وهو لا يستلزم عدم تحريم إظهار الكراهة والخروج عن لوازم الزوجية، وجواز التكلم بمثل ما مر، وذلك الاعطاء أيضا مشروط بخوفها وظنها أنها ما تقدر على ضبط نفسها فتخرج عن الشرع فلا يبعد الجواز حينئذ بل الوجوب تخييرا إما الترك أو الاعطاء والخلاص من الذنب ولما عرفت من نفسها عدم الاول تعين الثاني، بل لا يبعد جواز إعطاء المال لاخراج النفس عن المشقة لها بالمعاشرة، لانه غير موافق لها طبعا وعرفا وإن كان موافقا لها شرعا، فيكون إخراج المال في فراغة النفس ولذتها وتخليصها عن الكراهة جايزا.