زبدة البیان فی احکام القرآن-ج1-ص274
هكذا قيل في الكشاف وغيره، ولا يخفى أن الامر بالافاضة من عرفات بثم بعد ذكرها أولا، مما لا يناسب، فان المعطوف ليس بحرام بل ما يفعلون فليس التفاوت بين المعطوف والمعطوف عليه بل بين فعلهم وما امروا به، وليس ذلك مفاد ثم، وإنه ليس مثل أحسن إلى الناس ثم لا تحسن إلى غير كريم، وهو ظاهر.
وقيل أي ثم أفيضوا من المزدلفة إلى منى ويكون الامر لكل الناس، ويكون المراد بالناس آدم وإبراهيم وإسمعيل وغيرهم من الانبياء السابقة، والامم المتقدمة يعني أن وقوف المشعر والافاضة منه إلى منى شرع قديم لا تغيروه، وهذا هو المناسب لمعنى ” ثم ” وسوق الآية، حيث قال: فاذا أفضتم من عرفات إلى المشعر فكونوا بالمشعر ثم أفيضوا منه إلى منى، ففهم الوقوفان ونزول منى، ونقله في مجمع البيان عن أبي عبدالله عليه السلام(2).
واستغفروا الله
واطلبوا المغفرة وستر الذنوب التي فعلتم من تغيير الشرع وفعل المحرمات، وترك الواجبات، بالندم على ما سلف، والعزم على العدم من بعد إن الله كثير المغفرة والرحمة، ويغفر ذنب المستغفر، وينعم عليه، ويدل على الاول صحيحة معوية بن عمار عن أبي عبدالله عليه السلام قال إذا غربت الشمس في عرفة فأفض مع الناس، وعليك السكينة والوقار وأفض بالاستغفار فان الله تعالى يقول ” ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله(2) ” والظاهر أن الاستغفار يكون بالمشعر أو في طريقه على الاول ويحتمل في عرفة كما يشعر به الرواية المتقدمة وعلى الثاني بمنى وطريقها وكونه بالمشعر حينئذ بعيد، وهو ظاهر إلا أن الظاهر
(1) هكذا ذكره المقداد في كنز العرفان، آخذا من كلام صاحب المجمع من دون أن ينسب ذلك إليه، لكن ما ذكره في المجمع لا يناسب ما نقلاه عنه، فانه نسب القول الثاني إلى الجبائي، ثم قال في المراد بالناس: وقيل: إن الناس إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ومن بعدهم من الانبياء عن أبي عبدالله عليه السلام راجع مجمع البيان ج 2 ص 296 مع أنا تفحصنا ولم نجد حديثا يذكر فيه أبا عبدالله أو غيره عليهم السلام صرح بأن المراد من الاية إفاضة المشعر وإن كان هو الحق الظاهر من الاية الشريفة.
(2) التهذيب ج 1 ص 500، الكافي ج 4 ص 467.