زبدة البیان فی احکام القرآن-ج1-ص169
قيل: سبب نزولها أن الله تعالى لما أوجب الصوم على الناس، كان وجوبه بحيث لو صلوا العشاء الآخرة أو رقدوا، ما يحل لهم الاكل والشرب والجماع إلى الليلة القابلة، ثم إن عمر باشر بعد العشاء فندم وأتى النبي صلى الله عليه وآله واعتذر إليه فقام إليه رجال واعترفوا بما صنعوا بعد العشاء فنزلت كذا في تفسير القاضي والكشاف وقاله في مجمع البيان، أيضا، وأنت تعلم أن هذا أيضا لا يناسب ما نقلنا عنهما في تفسير قوله تعالى في أوائل السورة ” وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات(1) ” الآية أنها تدل على أن الفاسق لا يصلح للامامة، وأن النبي معصوم قبل النبوة أيضا وهذا دليل على أنه(2).
وأما تفسيرها فهو أن الله تعالى أباح الجماع في الليلة التي يصبح فيها صائما إذ الرفث هو الجماع هنا كما قاله المفسرون، ودل عليه سبب النزول، وكأن لتضمنه معنى الافضاء عدي بالي ” هن لباس ” استيناف لبيان سبب الاباحة، بمعنى أن الصبر عنهن صعب لانهن مثل الثياب لكم وأنتم كذلك، فشبه شدة المخالطة والملامسة والانضمام بمخالطة الثياب وملامستها وانضمامها بصاحبها، وقيل هن فروش لكم وأنتم لحاف لهن ه أو شبه حفظ كل واحد حال صاحبه عن كشفه عند غيره بفعل الساتر وصيانته عن كشف عورته عند الغير.
علم الله
بيان لزيادة سبب الاباحة ولطفه ورحمته لعباده، بأنه يعلم أنهم ما يفعلون الصبر، بل يختانون الاوامر والنواهي بالمخالفة والمعصية فما يؤدون الاوامر الشرعية التي هي أمانات، ويظلمون أنفسهم بتعريضها للعقاب وتنقيص حظها عن الثواب لشهوتهم وقلة تدبرهم في العواقب ويسعون ويبالغون في الظلم والاختيان والخيانة لكثرة الميل والشهوة، ولهذا قال ” تختانون ” وما قال
(1) البقرة: 124.راجع ص 44 – 48 فيما سبق.
(2) عجز شعر أوله: يحب الغلام إذا ما التحى ** وهذا دليل على أنه يقال: التحى الغلام: إذا نبت شعر لحيته وقوله على أنه اى على أنه كذا وكذا، كناية،