فقه القرآن-ج1-ص354
فان قيل : كيف يجوز تمني الشهادة وفي تمنيها تمني غلبة الكافر على المؤمن .
قلنا : قصد تمني الشهادة إلى نيل كرامة الشهداء لاغير ، فلا يذهب وهمه إلى ذلك المتضمن ، كما أن من يشرب دواء الطبيب النصراني قاصدا إلى حصول المأمول من الشفاء ، ولا يخطر بباله أن منه جر منفعة واحسان إلى عدو الله وتنفيقا لصناعته .
فإذا ثبت ذلك فتمنيهم الشهادة انما هو بالصبر على الجهاد إلى أن يقتلوالا بقتل المشركين لهم وارادتهم ذلك .
( باب المهادنة ) وقوله تعالى ( الا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقضوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم ) ( 1 ) .
الهدنة والمعاهدة واحدة ، وهي وضع القتال وترك الحرب إلى مدة من غير عوض ، وذلك جائز لقوله تعالى ( وان جنحوا للسلم فاجنح لها ) ( 2 ) .
وقد صالح النبي عليه السلام قريشا بالحديبية على ترك القتال عشر سنين .
فإذا ثبت جوازه فان كان في الهدنة مصلحة للمسلمين ونظر لهم في أن يرجو الامام منهم الدخول في الاسلام أو بذلك الجزية فعل ذلك ، وإذا لم يكن للمسلمين مصلحة – بأن يكون العدو ضعيفا قليلا وإذا ترك قتالهم اشتدت شوكهم وقووا – فلا تجوز الهدنة لان فيها ضررا على المسلمين .
وإذا هادنهم في الموضع الذى يجوز فيجوز أن يهادنهم أربعة أشهر بنص القرآن ، وهو قوله ( فسيحوا في الارض أربعة أشهر ) ( 3 ) ، ولا يجوز الزيادة عليها
( 1 ) سورة التوبة : 4 .
( 2 ) سورة الانفال : 61 .
( 3 ) سورة التوبة : 2 .