بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج2-ص313
عبده لسيده ، وإن مات وقد عتق المكاتب كان ولاؤه له ، وقال قوم من هؤلاء : بل ولاؤه على كل حالسيده .
وعمدة من لم يجز عتق المكاتب أن الولاء يكون للمعتق ، لقوله عليه الصلاة والسلام : إنما الولاء لمن أعتق ولا ولاء للمكاتب في حين كتابته فلم يصح عتقه .
وعمدة من رأى أن الولاء للسيد أن عبد عبده بمنزلة عبده ، ومن فرق بين ذلك فهو استحسان .
ومن هذا الباب اختلافهم في هل للمكاتب أن ينكح أو يسافر بغير إذن سيده ؟ فقال جمهورهم : ليس له أن ينكح إلا بإذن سيده ، وأباح بعضهم النكاح له .
وأما السفر فأباحه له جمهورهم ومنعه بعضهم ، وبه قال مالك وأباحه سحنون من أصحاب مالك ، ولم يجز للسيد أن يشترطه على المكاتب ، وأجازه ابن القاسم في السفر القريب .
والعلة في منع النكاح أنه يخاف أن يكون ذلك ذريعة إلى عجزه ، والعلة في جواز السفر أن به يقوى على التكسب في أداء كتابته ، وبالجملة فللعلماء في هذه المسألة ثلاثة أقوال : أحدها : أنللمكاتب أن يسافر بإذن سيده وبغير إذنه ، ولا يجوز أن يشترط عليه أن لا يسافر ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي .
والقول الثاني : أنه ليس له أن يسافر إلا بإذن سيده ، وبه قال مالك .
والثالث : أن بمطلق عقد الكتابة له أن يسافر إلا أن يشترط عليه سيده أن لا يسافر ، وبه قال أحمد والثوري وغيرهما .
ومن هذا الباب اختلافهم في هل للمكاتب أن يكاتب عبدا له ؟ فأجاز ذلك مالك ما لم يرد به المحاباة ، وبه قال أبو حنيفة والثوري .
وللشافعي قولان : أحدهما : إثبات الكتابة ، والآخر إبطالها .
وعمدة الجماعة : أنها عقد معاوضة المقصود منه طلب الربح فأشبه سائر العقود المباحة من البيع والشراء .
وعمدة الشافعية : أن الولاء لمن أعتق ولا ولاء للمكاتب ، لانه ليس بحر .
واتفقوا على أنه لا يجوز للسيد انتزاع شئ من ماله ولا الانتفاع منه بشئ .
واختلفوا في وطئ السيد أمته المكاتبة ، فصار الجمهور إلى منع ذلك ، وقال أحمد وداود وسعيد بن المسيب من التابعين : ذلك جائز إذا اشترطه عليها وعمدة الجمهور : أنه وطئ تقع الفرقة فيه إلى أجل آت فأشبه النكاح إلى أجل .
وعمدة الفريق الثاني : تشبيهها بالمدبرة .
وأجمعوا على أنها إن عجزت حل وطؤها .
واختلف الذين منعوا ذلك إذا وطئها هل عليه حد أو لا ؟ فقال جمهورهم : لا حد عليه لانه وطئ بشبهة ، وقال بعضهم : عليه الحد .
واختلفوا في إيجاب الصداق لها ، والعلماء – فيما أعلم – على أنه في أحكامه الشرعية على حكم العبد مثل الطلاق والشهادة والحد وغير ذلك مما يختص به العبيد .
ومن هذا الباب اختلافهم في بيعه ، فقال الجمهور : لا يباع المكاتب إلا بشرط أن يبقى على كتابته عند مشتريه ، وقال بعضهم : بيعه جائز ما لم يؤد شيئا من كتابته ، لان بريرة بيعت ولم تكن أدت من كتابتها شيئا ، وقال بعضها : إذا رضي المكاتب بالبيع جاز ، وهو قول الشافعي ، لان الكتابة عنده ليست بعقد لازم في حق العبد ، واحتج بحديث بريرة إذ بيعت وهي مكاتبة .
وعمدة من لم يجز بيع المكاتب ما في ذلك من نقض العهد ، وقد أمر