بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج2-ص240
بالوجه غار لصاحب الحق فوجب عليه الغرم إذا غاب ، وربما احتج لهم بما روي عن ابن عباس : أن رجلا سأل غريمه أن يؤدي إليه ماله أو يعطيه حميلا ، فلم يقدر حتى حاكمه إلى النبي عليه الصلاة والسلام ، فتحمل عنه رسول الله ( ص ) ثم أدى المال إليه قالوا : فهذا غرم في الحمالة المطلقة .
وأما أهل العراق فقالوا : إنما يجب عليه إحضار ما تحمل به وهو النفس ، فليس يجب أن يعدى ذلك إلى المال إلا لو شرطه على نفسه ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : المؤمنون عند شروطهم فإنما عليه أن يحضر المال أو يحبس فيه ، كذلك الامر في ضمان الوجه .
وعمدة الفريق الثالث أنه إنما يلزمه إحضاره إذا كان إحضاره له مما يمكن ، وحينئذ يحبس إذا لم يحضره ، وأما إذا علم أن إحضاره له غير ممكن فليس يجب عليه إحضاره كما أنه إذا مات ليس عليه إحضاره .
قالوا :ومن ضمن الوجه فأغرم المال فهو أحرى أن يكون مغرورا من أن يكون غارا .
فأما إذا اشترط الوجه دون المال وصرح بالشرط فقد قال مالك : إن المال لا يلزمه ، ولا خلاف في هذا فيما أحسب ، لانه كان يكون قد ألزم ضد ما اشترط ، فهذا هو حكم ضمان الوجه .
وأما حكم ضمان المال فإن الفقهاء متفقون على أنه إذا عدم المضمون أو غاب أن الضامن غارم .
واختلفوا إذا حضر الضامن والمضمون وكلاهما موسر .
فقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والاوزاعي وأحمد وإسحاق : للطالب أن يؤاخذ من شاء من الكفيل أو المكفول .
وقال مالك في أحد قوليه : ليس له أن يأخذ الكفيل مع وجود المتكفل عنه .
وله قول آخر مثل قول الجمهور .
وقال أبو ثور : الحمالة والكفالة واحدة ، ومن ضمن عن رجل مالا لزمه وبرئ المضمون ، ولا يجوز أن يكون مال واحد على اثنين ، وبه قال ابن أبي ليلى وابن شبرمة .
ومن الحجة لمن رأى أن الطالب يجوز له مطالبة الضامن ، كان المضمون عنه غائبا أو حاضرا ، غنيا أو عديما ، حديث قبيصة بن المخارقي قال : تحملت حمالة فأتيت النبي ( ص ) فسألت عنها ، فقال : نخرجها عنك من إبل الصدقة .
يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا في ثلاث ، وذكر رجلا تحمل حمالة رجل حتى يؤديها .
ووجه الدليل من هذا أن النبي ( ص ) أباح المسألة للمتحمل دون اعتبار حال المتحمل عنه .
وأما محل الكفالة فهي الاموال عند جمهور أهل العلم لقوله عليه الصلاة والسلام : الزعيم غارم أعني كفالة المال وكفالة الوجه ، وسواء تعلقت الاموال من قبل أموال أو من قبل حدود ، مثل المال الواجب في قتل الخطأ أو الصلح في قتل العمد أو السرقة التي ليس يتعلق بها قطع وهي ما دون النصاب أو من غير ذلك .
وروي عن أبي حنيفة إجازة الكفالة في الحدود والقصاص ، أو في القصاص دون الحدود وهو قول عثمان البتي : أعني كفالة النفس .
وأما وقت وجوب الكفالة بالمال أعني مطالبته بالكفيل ، فأجمع العلماء على أن ذلك بعد ثبوت الحق على المكفول إما بإقرار وإما ببينة .
وأما وقت وجوب الكفالة بالوجه ، فاختلفوا هل تلزم قبل إثبات الحق أم لا ؟ فقال