بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج2-ص236
فلا خلاف في المذهب أن محاصة الغرماء بها واجبة .
وأما ما كان عن عوض غير مقبوض ، فإن ذلك ينقسم خمسة أقسام : أحدها أن لا يمكنه دفع العوض بحال كنفقة الزوجات لما يأتي من المدة ، والثاني : أن لا يمكنه دفع العوض ، ولكن يمكنه دفع ما يستوفي فيه ، مثل أن يكتري الرجل الدار بالنقد ، أو يكون العرف فيه النقد ، ففلس المكتري قبل أن يسكن أو بعد ما سكن بعض السكنى وقبل أن يدفع الكراء .
والثالث : أن يكون دفع العوض يمكن ويلزمه كرأس مال السلم إذا أفلس المسلم إليه قبل دفع رأس المال .
والرابع : أن يمكنه دفع العوض ، ولا يلزمه مثل السلعة إذا باعها ففلس المبتاع قبل أن يدفعها إليه البائع .
والخامس : أن لا يكون إليه تعجيل دفع العوض ، مثل أن يسلم الرجل إلى رجل دنانير في عروض إلى أجل فيفلس المسلم قبل أن يدفع رأس المال وقبل أن يحل أجل السلم .
فأما الذي لا يمكنه دفع العوض بحال فلا محاصة في ذلك إلا في مهور الزوجات إذا أفلس الزوج قبل الدخول .
وأما الذي لا يمكنه دفع العوض ويمكنه دفع ما يستوفي منه ، مثل المكتري يفلس قبل دفع الكراء ، فقيل للمكري المحاصة بجميع الثمن وإسلام الدار للغرماء ، وقيل ليس له إلا المحاصة بما سكن ويأخذ داره ، وإن كان لم يسكن فليس له إلا أخذ داره .
وأما ما يمكنه دفع العوض يلزمه وهو إذا كان العوض عينا ،فقيل يحاص به الغرماء في الواجب له بالعوض ويدفعه ، وقيل هو أحق به وعلى هذا لا يلزمه دفع العوض .
وأما ما يمكنه دفع العوض ولا يلزمه فهو بالخيار بين المحاصة والامساك وذلك هو إذا كان العوض عينا .
وأما إذا لم يكن إليه تعجيل العوض مثل أن يفلس المسلم قبل أن يدفع رأس المال ، وقبل أن يحل أجل السلم ، فإن رضي المسلم إليه أن يعجل العروض ويحاصص الغرماء برأس مال السلم فذلك جائز إن رضي بذلك الغرماء ، فإن أبى ذلك أحد الغرماء حاص الغرماء برأس المال الواجب له فيما وجد للغريم من مال ، وفي العروض التي عليه إذا حلت لانها من مال الفلس ، وإن شاءوا أن يبيعوها بالنقد ويتحاصوا فيها كان ذلك لهم .
وأما ما كان من الحقوق الواجبة عن غير عوض فإن ما كان منها غير واجب بالشرع بل بالالتزام كالهبات والصدقات فلا محاصة فيها .
وأما ما كان منها واجبا بالشرع كنفقة الآباء والابناء ، ففيها قولان : أحدهما : أن المحاصة لا تجب بها ، وهو قول ابن القاسم ، والثاني : أنها تجب بها إذا لزمت بحكم من السلطان ، وهو قول أشهب .
وأما النظر الخامس : وهو معرفة وجه التحاص ، فإن الحكم في ذلك أن يصرف مال الغريم من جنس ديون الغرماء ، وسواء أكان مال الغرماء من جنس واحد أو من أجناس مختلفة ، إذ كان لا يقتضي في الديون إلا ما هو من جنس الدين إلا أيتفقوا من ذلك على شئ يجوز .
واختلفوا من هذا الباب في فرع طارئ ، وهو إذا هلك مال المحجور عليه بعد الحجر وقبل قبض الغرماء : ممن مصيبته ؟ فقال أشهب : مصيبته من المفلس ، وقال ابن