بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج2-ص235
الموت والفلس ، ومرة يشبهونه بالتي خرجت من يده ولم يمت فيقولون : هو أحق بها في الفلس دون الموت .
ومرة يشبهون ذلك بالموت الذي فاتت فيه فيقولون : هو أسوة الغرماء .
ومثال ذلك اختلافهم فيمن استؤجر على سقي حائط فسقاه حتى أثمر الحائط ثم أفلس المستأجر فإنهم قالوا فيه الثلاثة الاقوال .
وتشبيه بيع المنافع في هذا الباب ببيع الرقاب هو شئ – فيما أحسب – انفرد به مالك دون فقهاء الامصار ، وهو ضعيف لان قياس الشبه المأخوذ من الموضع المفارق للاصول يضعف ، ولذلك ضعف عند قوم القياس على موضع الرخص ، ولكن انقدح هنالك قياس علة ، فهو أقوى ، ولعل المالكية تدعي وجود هذا المعنى في القياس ، ولكن هذا كله ليس يليق بهذا المختصر .
ومن هذا الباب اختلافهم في العبد المفلس المأذون له في التجارة هل يتبع بالدين في رقبته أم لا ؟ فذهب مالك وأهل الحجاز إلى أنه إنما يتبع بما في يده لا في رقبته ، ثم إن أعتق أتبع بما بقي عليه .
ورأى قوم أنه يباع .
ورأى قوم أن الغرماء يخيرون بين بيعه وبين أن يسعى فيما بقي عليه من الدين ، وبه قال شريح .
وقالت طائفة : بل يلزم سيده ما عليه وإن لم يشترطه .
فالذين لم يروا بيع رقبته قالوا : إنما عامل الناس على ما في يده فأشبه الحر ، والذين رأوا بيعه شبهوا ذلك بالجنايا ت التي يجني ، وأما الذين رأوا الرجوع على السيد بما عليه من الدين فإنهم شبهوا ماله بمال السيد إذ كان له انتزاعه .
فسبب الخلاف : هو تعارض أقيسة الشبه في هذه المسألة ، ومن هذا المعنى إذا أفلس العبد والمولى معا بأيهما يبدأ ، هل بدين العبد ، أم بدين المولى ؟ فالجمهور يقولون : بدين العبد ، لان الذين داينوا العبد إنما فعلوا ذلك ثقة بما رأوا عند العبد من المال ، والذين داينوا المولى لم يعتدوا بمال العبد ، ومن رأى البدء بالمولى قال : لان مال العبد هو في الحقيقة للمولى .
فسبب الخلاف : تردد مال العبد بين أن يكون حكمه حكم مال الاجنبي أو حكم مال السيد .
وأما قدر ما يترك للمفلس من ماله فقيل في المذهب : يترك له ما يعيش به هو وأهله وولده الصغار الايام ، وقال في الواضحة والعتبية : الشهر ونحو ، ويترك له كسوة مثله ، وتوقف مالك في كسوة زوجته لكونها هل تجب لها بعوض مقبوض ، وهو الانتفاع بها أو بغير عوض ، وقالسحنون : لا يترك له كسوة زوجته ، وروى ابن نافع عن مالك أنه لا يترك له إلا ما يواريه ، وبه قال ابن كنانة .
واختلفوا في بيع كتب العلم عليه على قولين : وهذا مبني على كراهية بيع كتب الفقه أو لا كراهية ذلك .
وأما معرفة الديون التى يحاص بها من الديون التي لا يحاص بها على مذهب مالك فإنها تنقسم أولا إلى قسمين : أحدهما : أن تكون واجبة عن عوض .
والثاني : أن تكون واجبة من غير عوض .
فأما الواجبة عن عوض ، فإنها تنقسم إلى عوض مقبوض وإلى عوض غير مقبوض ، فأما ما كانت عن عوض مقبوض ، وسواء أكانت مالا أو أرش جناية ،