بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج2-ص232
فيلزم أن يجعل الدين حالا ، وإما أن يرضوا بتأخير ميراثهم حتى تحل الديون فتكون الديون حينئذ مضمونة في التركة خاصة لا في ذممهم ، بخلاف ما كان عليه الدين قبل الموت ، لانه كان في ذمة الميت ، وذلك يحسن في حق ذي الدين .
ولذلك رأى بعضهم أنه إن رضي الغرماء بتحمله في ذممهم أبقيت الديون إلى أجلها ، وممن قال بهذا القول ابن سيرين ، واختاره أبو عبيد من فقهاء الامصار ، لكن لا يشبه الفلس في هذا المعنى الموت كل الشبه ، وإن كانت كلا الذمتين قد خرجت فإن ذمة المفلس يرجى المال لها بخلاف ذمة الميت .
وأما النظر فيما يرجع به أصحاب الديون من مال المفلس فإن ذلك يرجع إلى الجنس والقدر .
أما ما كان قد ذهب عين العوض الذي استوجب من قبله الغريم على المفلس فإن دينه في ذمة المفلس .
وأما إذا كان عين العوض باقيا بعينه لم يفت إلا أنه لم يقبض ثمنه ، فاختلف في ذلك فقهاء الامصار على أربعة أقوال : الاول : أن صاحب السلعة أحق بها على كل حال إلا أن يتركها ويختار المحاصة ، وبه قال الشافعي وأحمد وأبو ثور .
القول الثاني : ينظر إلى قيمة السلعة يوم الحكم بالتفليس فإن كانت أقل من الثمن خير صاحب السلعة بين أن يأخذها أو يحاص الغرماء ، وإن كانت أكثر أو مساوية للثمن أخذها بعينها ، وبه قال مالك وأصحابه .
القول الثالث : تقوم السلعة بين التفليس ، فإن كانت قيمتها مساوية للثمن أو أقل منه قضي له بها : أعني للبائع ، وإن كانت أكثر دفع إليه مقدار ثمنه ويتحاصون في الباقي ، وبهذا القول قال جماعة من أهل الاثر .
والقول الرابع : أنه أسوة الغرماء فيها على كل حال ، وهو قول أبي حنيفة وأهل الكوفة ، والاصل في هذه المسألة ما ثبت من حديث أبي هريرة أن رسول الله ( ص ) قال : أيما رجل أفلس فأدرك الرجل ماله بعينه فهو أحق به من غيره وهذا الحديث خرجه مالك والبخاري ومسلم ، وألفاظهم متقاربة ، وهذا اللفظ لمالك ، فمن هؤلاء من حمله على عمومه وهو الفريق الاول ، ومنهم من خصصه بالقياس وقالوا : إن معقوله إنما هو الرفق بصاحب السلعة لكون سلعته باقية ، وأكثر ما في ذلك أن يأخذ الثمن الذي باعها به ، فأما أن يعطى في هذه الحال الذي اشترك فيها مع الغرماء أكثر من ثمنها فذلك مخالف لاصول الشرع ، وبخاصة إذا كان للغرماء أخذها بالثمن كما قال مالك .
وأما أهل الكوفة فردوا هذا الحديث بجملته لمخالفته للاصول المتواترة على طريقتهم في رد خبر الواحد إذا خالف الاصول المتواترة لكون خبر الواحد مظنونا ، والاصول يقينية مقطوع بها ، كما قال عمر في حديث فاطمة بنت قيس : ما كنا لندع كتاب الله وسنة نبينا لحديث امرأة .
ورواه عن علي أنه قضى بالسلعة للمفلس ، وهو رأي ابن سيرين وإبراهيم من التابعين .
وربما احتجوا بأن حديث أبي هريرة مختلف فيه ، وذلك أنالزهري روى عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله ( ص ) قال : أيما رجل مات أو أفلس فوجد بعض غرمائه ماله بعينه فهو أسوة الغرماء وهذا الحديث أولى لانه