بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج2-ص116
والاوزاعي وجماعة .
وحجة من كرهه أنه شبيه ببيع الطعام بالطعام نساء ، ومن أجازه لم ير ذلك فيه اعتبارا بترك القصد إلى ذلك .
ومن ذلك اختلافهم فيمن اشترى طعاما بثمن إلى أجل معلوم ، فلما حل الاجل لم يكن عند البائع طعام يدفعه إليه ، فاشترى من المشتري طعاما بثمن يدفعه إليه مكان طعامه الذي وجب له ، فأجاز ذلك الشافعي وقال : لا فرق بين أن يشتري الطعام من غير المشتري الذي وجب له عليه أو من المشتري نفسه ، ومنع من ذلك مالك ورآه من الذريعة إلى بيع الطعام قبل أن يستوفى .
لانه رد إليه الطعام الذي كان ترتب في ذمته ، فيكون قد باعه منه قبل أن يستوفيه .
وصورة الذريعة في ذلك أن يشتري رجل من آخر طعاما إلى أجل معلوم ، فإذا حل الاجل قال الذي عليه الطعام : ليس عندي طعام .
ولكن أشتري منك الطعام الذي وجب لك علي ، فقال : هذا لا يصح ، لانه بيع الطعام قبل أن يستوفى فيقول له : فبع طعاما مني وأرده عليك ، فيعرضمن ذلك ما ذكرناه ، أعنيأن يرد عليه ذلك الطعام الذي أخذ منه ويبقى الثمن المدفوع إنما هو ثمن الطعام الذي هو في ذمته .
وأما الشافعي فلا يعتبر التهم كما قلنا ، وإنما يراعي فيما يحل ويحرم من البيوع ما اشترطا وذكراه بألسنتهما وظهر من فعلهما لاجماع العلماء على أنه إذا قال : أبيعك هذه الدراهم بدراهم مثلها وأنظرك بها حولا أو شهرا أنه لا يجوز ، ولو قال له : أسلفني دراهم وأمهلني بهحولا أو شهرا جاز ، فليس بينهما إلا اختلاف لفظ البيع وقصده ولفظ القرض وقصده ، ولما كانت أصول الربا كما قلنا خمسة : أنظرني أزدك ، والتفاضل ، والنساء ، وضع وتعجل ، وبيع الطعام قبل قبضه ، فإنه يظن أنه من هذا الباب إذ فاعل ذلك يدفع دنانير ويأخذ أكثر منها من غير تكلف فعل ولا ضمان يتعلق بذمته ، فينبغي أن نذكر ههنا هذين الاصلين .
أما : ضع وتعجل ، فأجازه ابن عباس من الصحابة وزفر من فقهاء الامصار ، ومنعه جماعة منهم ابن عمر من الصحابة ومالك وأبو حنيفة والثوري وجماعة من فقهاء الامصار ، واختلف قول الشافعي في ذلك ، فأجاز مالك وجمهور من ينكر : ضع وتعجل ، أن يتعجل الرجل في دينه المؤجل عرضا يأخذه وإن كانت قيمته أقل من دينه .
وعمدة من لم يجز : ضع وتعجل ، أنه شبيه بالزيادة مع النظرة المجتمع على تحريمها ، ووجه شبهه بها أنه جعل للزمان مقدارا من الثمن بدلا منه في الموضعين جميعا ، وذلك أنه هنالك ما زاد له في الزمان زاد له عرضه ثمنا ، وهنا لما حط عنه الزمان حط عنه في مقابلته ثمنا ، وعمدة من أجاز ما روي عن ابن عباس أن النبي ( ص ) لما أمر بإخراج بني النضير جاءه ناس منهم فقالوا : يا نبي الله .
إنك أمرت بإخراجنا ولنا على الناس ديون لم تحل ، فقال رسول الله ( ص ) : ضعوا وتعجلوا .
فسبب الخلاف : معارضة قياس الشبه لهذا الحديث .
وأما بيع الطعام قبل قبضه .
فإن العلماء مجمعون على منع ذلك إلا ما يحكى عن عثمان البتي .
وإنما أجمع العلماء على ذلك لثبوت النهي عنه عن رسول الله ( ص ) من حديث مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله ( ص )