بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج2-ص115
لا يجوز .
وأما إن كان البيع الاول نقدا فلا خلاف في جواز ذلك ، لانه ليس يدخله بيع ذهب بذهب نسيئة إلا أن مالكا كره ذلك لمن هو من أهل العينة : أعني الذي يداين الناس ، لانه عنده ذريعة لسلف في أكثر منه يتوصلان إليه بما أظهر من البيع من غير أن تكون له حقيقة .
وأما البيوع التي يعرفونها ببيوع الآجال ، فهي أن يبيع الرجل سلعة بثمن إلا أجل ، ثم يشتريها بثمن آخر إلى أجل آخر ، أو نقدا .
( وهنا تسع مسائل ، إذا لم تكن هناك زيادة عرض اختلف منها في مسألتين ، واتفق في الباقي ) وذلك أنه من باع شيئا إلى أجل ثم اشتراه ، فإما أن يشتريه إلى ذلك الاجل بعينه أو قبله أو بعده ، وفي كل واحد من هذه الثلاثة إما أن يشتريه بمثل الثمن الذي باعه به منه ، وإما بأقل ، وإما بأكثر يختلف من ذلك في اثنين ، وهو أن يشتريها قبل الاجل نقدا بأقل من الثمن أو إلى أبعد من ذلك الاجل بأكثر من ذلك الثمن .
فعند مالك وجمهور أهل المدينة أن ذلك لا يجوز .
وقال الشافعي وداود وأبو ثور : يجوز ، فمن منعه فوجه منعه اعتبار البيع الثاني بالبيع الاول ، فاتهمه أن يكون إنما قصد دفع دنانير في أكثر منها إلى أجل ، وهو الربا المنهي عنه فزور لذلك هذه الصورة ليتصلا بها إلى الحرام مثل أن يقول قائل لآخر : أسلفني عشرة دنانير إلى شهر وأرد إليك عشرين دينارا ، فيقول : هذا لا يجوز ، ولكن أبيع منك هذا الحمار بعشرين إلى شهر ، ثم أشتريه منك بعشرة نقدا .
وأما في الوجوه الباقية فليس يتهم فيها لانه إن أعطى أكثر من الثمن في أقل من ذلك الاجل لم يتهم ، وكذلك إن اشتراها بأقل من ذلك الثمن إلى أبعد من ذلك الاجل ، ومن الحجة لمن رأى هذا الرأي حديث أبي العالية عن عائشة أنها سمعتها وقد قالت لها امرأة كانت أم ولد لزيد بن أرقم : يا أم المؤمنين إني بعت من زيد عبدا إلى العطاء بثمانمائة فاحتاج إلى ثمنه فاشتريته منه قبلمحل الاجل بستمائة ، فقالت عائشة : بئسما شريت ، وبئسما اشتريت ، أبلغي زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله ( ص ) إن لم يتب .
قالت : أرأيت إن تركت وأخذت الستمائة دينار ؟ قالت : فهو
( فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف)
وقال الشافعي وأصحابه : لا يثبت حديث عائشة ، وأيضا فإن زيدا قد خالفها ، وإذا اختلفت الصحابة فمذهبنا القياس .
وروي مثل قول الشافعي عن ابن عمر .
وأما إذا حدث بالمبيع نقص عند المشتري الاول ، فإن الثوري وجماعة من الكوفيين أجازوا لبائعه بالنظرة أن يشتريه نقدا بأقل من ذلك الثمن .
وعن مالك في ذلك روايتان .
والصور التي يعتبرها مالك في الذرائع في هذه البيوع هي أن يتذرع منها إلى : أنظرني أزدك ، أو إلى بيع ما لا يجوز متفاضلا أو بيع ما لا يجوز نساء ، أو إلى بيع وسلف .
أو إلى ذهب وعرض بذهب أو إلى : ضع وتعجل ، أو بيع الطعام قبل أن يستوفى ، أو بيع وصرف ، فإن هذه هي أصول الربا .
ومن هذا الباب اختلافهم فيمن باع طعاما بطعام قبل أن يقبضه .
فمنعه مالك وأبو حنيفة وجماعة .
وأجازه الشافعي والثوري