بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج2-ص6
إنه لا يجبرها وإن لم تبلغ ، وهو قول أبي تمام ، والذي حكيناه عن مالك هو الذي حكاه أهل مسائل الخلاف كابن القصار ، وغيره عنه .
وسبب اختلافهم : معارضة دليل الخطاب للعموم ، وذلك أن قوله عليه الصلاة والسلام تستأمر اليتيمة في نفسها ولا تنكح اليتيمة إلا بإذنها يفهم منه أن ذات الاب لا تستأمر إلا ما أجمع عليه الجمهور من استئمار الثيب البالغ ، وعموم قوله عليه الصلاة والسلام الثيب أحق بنفسها من وليها يتناول البالغ وغير البالغ ، وكذلك قوله لا تنكح الايم حتى تستأمر ولا تنكح حتى تستأذن يدل بعمومه على ما قاله الشافعي .
ولاختلافهم في هاتين المسألتين سبب آخر : وهو استنباط القياس من موضع الاجماع ، وذلك أنهم لما أجمعوا على أن الاب يجبر البكر غير البالغ ، وأنه لا يجبر الثيب البالغ إلا خلافا شاذا فيهما جميعا كما قلنا اختلفوا في موجب الاجبار هل هو البكارة أو الصغر ؟ فمن قال الصغر قال : لا تجبر البكر البالغ ، ومن قال البكارة قال : تجبر البكر البالغ ولا تجبر الثيب الصغيرة ، ومن قال كل واحمنهما يوجب الاجبار إذا انفرد قال : تجبر البكر البالغ والثيب الغير البالغ ، والتعليل الاول تعليل أبي حنيفة ، والثاني تعليل الشافعي ، والثالث تعليل مالك ، والاصول أكثر شهادة لتعليل أبي حنيفة .
واختلفوا في الثيوبة التي ترفع الاجبار وتوجب النطق بالرضا أو الرد ، فذهب مالك وأبو حنيفة إلى أنها الثيوبة التى تكون بنكاح صحيح أو شبهة نكاح أو ملك ، وأنها لا تكون بزنا ولا بغصب ، وقال الشافعي : كل ثيوبة ترفع الاجبار .
وسبب اختلافهم هل يتعلق الحكم بقوله عليه الصلاة والسلام : ( الثيب احق ينفسها من وليها ) باثيوبة الشرعية أم باثيوبة اللغوية ؟ واتفقوا على أن الاب يجبر ابنه الصغير على النكاح ، وكذلك ابنته الصغيرة البكر ، ولا يستامرها لما ثبت : ( ان رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة رضي الله عنها بنت ست أو سبع وبنى بها وهي بنت تسع بإنكاح چكم بقوله عليه روي من الخلاف عن ابن شبرمة .
واختلفوا من ذلك في مسألتين : إحداهما : هل يزوج الصغيرة غير الاب ؟ والثانية : هل يزوج الصغير غير الاب ؟ فأما هل يزوج الصغيرة غير الاب أم لا ؟ فقال الشافعي : يزوجها الجد أبو الأب والاب فقط ، وقال مالك : لا يزوجها إلا الاب فقط ، أو من جعل الاب له ذلك إذا عين الزوج إلا أن يخاف عليها الضيعة والفساد ، وقال أبو حنيفة : يزوج الصغيرة كل من له عليها ولاية من أب وقريب وغير ذلك ، ولها الخيار إذا بلغت .
وسبب اختلافهم : معارضة العموم للقياس ، وذلك أن قوله عليه الصلاة والسلام والبكر تستأمر وإذنها صماتها يقتضي العموم في كل بكر إلا ذات الاب التي خصصها الاجماع ، إلا الخلاف الذي ذكرناه ، وكون سائرالاولياء معلوما منهم النظر والمصلحة لوليتهم يوجب أن يلحقوا بالاب في هذا المعنى ، فمنهم من ألحق به جميع الاولياء ومنهم من ألحق به الجد فقط ، لانه فمعنى الاب إذ كان أبا أعلى ، وهو الشافعي ، ومن قصر ذلك على الاب رأى أن ما للاب في ذلك غير موجود